Translate

الثلاثاء، 17 مايو 2016

أحمد آدم اللى مُش بنى آدم

فشل احمد آدم فى أن يجد لنفسه مكانة كممثل كوميدى صاحب وزن بين نجوم وأبطال الكوميديا المصريين سواء فى السينما أو فى المسرح, كانت بداياته المبكره مع فرقة محمد صبحى ولينين الرملى المسرحية, وهى الفرقة التى خرج من بين صفوفها عدداً من كبار النجوم الآن والذين زاملوا آدم فى نفس البدايات بالأدوار الصغيرة مثل صلاح عبدالله وهانى رمزى فى الكوميديا, غير النجم التليفزيونى رياض الخولى والنجمة الكبيرة عبله كامل ونجمة السينما منى زكى.
ظل أحمد آدم فى منطقة الأدوار الصغيرة التى لاتصنع إسماً ولاتبنى مجداً حتى إختاره المخرج التليفزيونى أحمد بدرالدين كأحد أبطال برنامج (سر الأرض), وهو برنامج يستخدم الدراما فى نقل توجيهات الإرشاد الزراعى الخاصة بطرق الإنتاج الزراعى للفلاحين فى القرى, ونجح البرنامج جماهيرياً بسبب نصوصه الكوميدية, وإبتكر احمد آدم شخصية القرموطى التى جعلت الناس تتعرف عليه لأول مرة بها وليس بشخصه هو, ظن المنتجون وقتها أنهم أنهم مام نجم كوميديا جديد ولكنه خيب الظنون وفشلت أغلب أعماله, فقد إختار أفلام من عينة (صمت الخرفان),(تحت الربع بجنيه وربع),(ياتحب ياتقب),(لمؤخذه يادعبس), وحتى الفيلم الذى كان السيناريو الخاص به فائزاً بمسابقة وزارة الثقافة فى السيناريو وهو (فيلم هندى) مما يعنى ان لديه فرصة كبيرة فى النجاح الجماهيرى فشل فشلاً ذريعاً بسبب الأداء المفتعل لأحمد آدم, والذى لم يرق إلى مستوى نص الفيلم ولافكرته عن المحبة التى تجمع مسلمى الوطن بمسيحييه, وهذا الفشل السينمائى المتكرر لأحمد آدم جعله يعود للسينما بمحاولة أخيرة أستعاد فيها شخصية القرموطى بمسحة سياسية عن غزو امريكا للعراق فى فيلمه(معلش احنا بنتبهدل) ولكن أداء آدم وعدم مناسبة الموضوع لشخصية القرموطى أفشلا الفيلم ومعه أحمد آدم كبطل سينمائى.
وعلى مستوى المسرح لم تختلف خيارات آدم للنصوص عن إختياراته السينمائية والتى يمكن الحكم عليها من مجرد العناوين (فيما يبدو سرقوا عبده),(برهومه وكلاه البارومه),(ربنا يخللى جمعه), والسبب الحقيقى وراء ضعف مستوى نصوص احمد آدم بالطبع هو ضعف ثقافته ومن قبلها تعليمه, فالفنان ليس خريجاً لمعهد الفنون المسريحة كما أنه غير حاصل على شهادة جامعية من الأساس.
إنتهى الحال بأحمد آدم مقدماً لبرنامج تليفزيونى على قناة (الحياة)هو(بنى آدم شو) الذى من المفترض أنه برنامج نقد سياسى ساخر فى قالب الإستاند أب كوميدى, وهذا النوع من الكوميديا يحتاج كاريزما وحضور وخفة ظل وقدرة على الإرتجال, ولأنه سياسى فهو يحتاج إلى جانب ذلك كله ثقافة ووعى وكلها عوامل تغيب تماماً عن أحمد آدم, فهو يظيط فى الظيطه بلا ثقافة ولاوعى ولا حتى موهبة, ولتعويض نقصه فى كل ذلك إختار عمل البرنامج أمام جمهور إستديو يتم تأجيره بواسطة مكاتب الكاستينج بمقابل مادى, حركاته مرسومه ومواضع ضحكه مكتوبه فى الإسكربت, فهو ليس جمهور حقيقى يأتى للنجم الذى يحبه, ويضحك من قلبه على قدرات النجم الكوميدية أو قفشاته السياسية اللاذعة التى تكشف وتعرى الفساد والزيف, أو التى تنتقد بغية الإصلاح.
وفى حلقته عن أهل حلب أسقط أحمد آدم آخر ورقات التوت التى كانت تغطيه كممثل كوميدى فاشل, وأظهرت مدى بؤس موهبته وثقافته ووعيه, فقد وقف يسخر من شهداء حلب ومن الآم أهلها الذين تنهار عليهم بيوتهم بقصف طائرات الأسد وحلفائه, ظن آدم أن نقد قناة إخبارية بعينها والدولة التى تمتلكها يعطيه الحق فى السخرية من معاناة شعب وأرواح شهداء ابرياء يقتلهم طاغية دموى بلا رحمة ولاشفقة, ضعف ثقافة آدم وتعليمه لم يجعله يدرك أن التأكد من الأخبار أصبح سهلاً وميسوراً, فالقنوات الإخبارية متعددة ومختلفه وهى قد تبرز أوتعطى مساحات أكبر من الوقت والإهتمام والتحليل لماتراه مهماً من أخبار, او قد تأتى بمن يحلل الأخبار من وجهة نظر تتبناها هى, ولكن يظل الخبر نفسه بمعلوماته لايتغير, وطبعاً المقصود هو القنوات العالمية التى تلتزم القواعد المهنية فى عملها, ولكن من أين لأحمد آدم ان يعرف المهنى وغير المهنى, وهو يعمل فى الإعلام بنفس منطقه فى العمل السينمائى والمسرحى والذى أورثه فشلاً مزمناً حتى وهو يحاول أن يصلح ما أحدثه من إستياء وغضب وجروح عند أهل سوريا والذى عبروا عنه فى مختلف وسائل الإعلام, قال آدم مبرراً سماجته وفظاظته أن الإخوان فبركوا لى الفيديوهات, وكأن فيديو الحلقة كاملاً لايتداوله الناس على مواقع التواصل الإجتماعى.
قد يكون أحمد آدم بهذا الخطأ الأخيرفى برنامجه(بنى آدم شو) قد وضع نهاية لعلاقته بالجماهير فى الوطن العربى, ولكن هذا الخطا الذى لايغتفر أثبت أن الجهل وغياب الثقافة والوعى لدى ممتهن العمل الفنى والإعلامى يجعله مُش بنى آدم.

مقال بمجلة(المصور) 18 مايو 2016

الجمعة، 12 فبراير 2016

عندما تقمص عبد الحليم شخصية عبدالناصر الزعيم


  •         إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية قبل غناء عبد الحليم بساعة ازال عنه الخوف من تكرار الفشل واشاع الفرح والحماس فى الجمهور وهو يستقبله.
  •         علاقة عبد الحليم  بشقيق صلاح سالم قبل الثورة كانت جواز مروره للقاء عبدالناصر لأول مرة.
  •         عبدالناصر يرسل سكرتيره الخاص محمد احمد لعبدالحليم لرد إعتباره بعد مقلب من أم كلثوم.
  •         بريطانيا تمنع عبدالحليم من دخول أراضيها للعلاج لأنه يسبها فى أغنياته كما يسبها زعيمه فى خطبه.
  •         أحس حليم من سؤال عبدالناصر الدائم عنه إنه يحبه خاصة انه كان من أوائل المدعويين فى حفلات زفاف بناته.
  •         شكى حليم لعبد الناصر من وضع تليفونه تحت المراقبة فأمر الرئيس صلاح نصر بالكف عن مضايقته.




   
مصادفة ربطت بين عبد الحليم والعهد الجديد, تفاءل بهذه المصادفة وربما تشبث بها ليتحول من مجرد مطرب عادي إلى شيء أكبر وأعظم وأخلد, اختاره وجيه أباظة مدير الشئون العامة بالقوات المسلحة التي تشرف على احتفالات عيد الثورة الأول في يوليو 1953 بعدما استمع إلى صوته, خاف عبد الحليم لأن كل نجوم الحفلة من الوزن الثقيل,  وكان إخفاقه في حفل الإسكندرية حيث هاجمه الجمهور ومطالبته بنزوله من على المسرح ليس ببعيد, ولكن القدر يتدخل ليدخل قدرًا من التفاؤل إلى نفسه, ففي نشرة الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الحفلة وقبل ظهوره بساعة على المسرح يذاع نبأ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية, ويعلن مذيع الحفل الداخلي النبأ فتنطلق موجة عارمة من الفرح والتصفيق بين الجمهور وعندما يحين موعد ظهوره على المسرح يقدمه يوسف وهبي قائلاً: "مع إعلان ميلاد الجمهورية نعلن ميلاد مطرب جديد هو عبد الحليم حافظ", ويغني عبد الحليم (صافيني مرة) وتكون المفاجأة هي تصفيق الجمهور تصفيقًا شديدًا له مما كان يعني له شهادة ميلاده الفنية .


وعندما بدأ نجم جمال عبد الناصر يعلو كزعيم بدأ ارتباط عبد الحليم حافظ به على المستويين الفني والشخصي, على المستوى الفني كانت البداية بأغنية "إحنا الشعب" والتي كان نجاحها دافعًا قويًا لكي يستمر عبد الحليم في تقديم الأغنيات الوطنية وعلى تقديم أغنية وطنية جديدة كل عام, جاء الارتباط الشديد بين الثورة وزعيمها والمطرب عام 1956 عندما غنى عبد الحليم "يا أهلا بالمعارك" من تأليف صلاح جاهين وألحان كمال الطويل والتي صادفت نجاحًا فاق كل تصور, ثم أغنية "ذكريات" تأليف أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبد الوهاب,  وفيها صور أيام الاحتلال البريطاني لمصر وتصادف أن أصيب عبد الحليم في نفس العام بنزيف وكان من الضروري علاجه في لندن فسافر إلى سويسرا ومنها حاول الحصول على تأشيرة دخول إلى انجلترا فأفهمه الموظف المسئول بالسفارة انه على القوائم السوداء لأنه يسب بريطانيا في أغانيه كما يسبها زعيمه عبد الناصر في خطبه , وأرادت بريطانيا أن تحاربه فأعلنت إذاعة الـ "بي بي سي" نبأ وفاته في صدر نشرات أخبارها قبل أن يصل إلى فندقه في سويسرا وانقلبت الدنيا في مصر والوطن العربي وسويسرا واخذت الوفود تتجه إلى مقر إقامته لتلقي عليه نظرة وداع, والخارجية المصرية تستفسر من سفارتها في زيورخ لتبلغ عبد الناصر أن الخبر مجرد شائعة, لكن صحفي بريطاني يتبنى قضية عبد الحليم ويثير الرأي العام العالمي لأن الرجل يريد العلاج وكانت الصحف البريطانية تسمى عبد الحليم سيناترا السويس اعترافًا بدوره الكبير في حرب السويس وأمام الضغوط ترسل بريطانيا مندوبا من سفارتها بسويسرا يخبر عبد الحليم بموافقة الحكومة على دخوله بريطانيا للعلاج, وبعد ذلك أصبح عبد الحليم حافظ رسميًا هو مطرب الثورة الذي يسجل إنجازاتها الكبرى والذي يبسط شعاراتها للناس.

الزعيم أحب حليم

والواقع أن علاقة عبد الحليم بالثورة ورجالها كانت ترجع إلى ما قبل الثورة, يقول عبد الحليم حافظ في مذكراته لإيريس نظمي: "كنت أعرف صلاح سالم وأخوته خاصة يحيى ضابط البوليس قبل قيام الثورة,  ولم تنقطع الصلة بيننا بعدها, وذات يوم فوجئت بالصاغ صلاح سالم يقول لي سأقدمك للرئيس عبد الناصر, ووجدت نفسي أمام الرئيس عبد الناصر الذي ابتسم في وجهي بود حقيقي وهو يقول لي" احنا بنعتبرك ظهرت مع الثورة".
 ويقول عبد الحليم في نفس المذكرات:"  كنت اشعر أن الرئيس عبد الناصر يحبني فعلا وقد تأكد حبه لي في أكثر من موقف, حدث عندما وضعت الرقابة على التليفونات انني عرفت أن تليفوني أيضًا من بين التليفونات التي وضعت عليها المراقبة وقد سبب لي ذلك نوعا من الضيق والانزعاج لكن الرئيس أمر فورًا برفع الرقابة عن تليفوني, كنت أشعر أن صلاح نصر مدير المخابرات يحاول أن يستغلني ويورطني في عمل غير مشروع وأنا فنان عملي الوحيد هو الفن أغني لبلدي وللناس ولا أحب إطلاقًا أن تكون لي علاقة بأجهزة صلاح نصر, وعندما عرف الرئيس هذه المخاوف والشكوك التي تساورني أنقذني منها وبدأت أشعر بالأمان, موقف ثالث أكد حب الرئيس جمال عبد الناصر لي فعندما أثير موضوع الضرائب المستحقة عن أجور ومكاسب الفنانين, اختارني أنا والأستاذ عبد الوهاب فقط لكي يناقشنا ويسمع آراءنا, ولم يتكلم الأستاذ عبد الوهاب كثيرًا في هذا اللقاء وتوليت أنا شرح موضوع الضرائب ومطالبنا وتحفظاتنا. . كان الرئيس جمال عبد الناصر دائم السؤال عن حالتي الصحية وكان يناديني دائما (عامل إيه يا حليم) , (إن شاء الله تكون مبسوط) (يا حليم صحتك كويسة) .. حتى في المسائل الشخصية التي تشغلني دائما كنت أحس إنني قريب منه, وفي حفلات زواج بناته كنت دائما أول الحاضرين".
غير أن عبد الحليم يعتبر أن أكبر تكريم له في حياته هو موقف الرئيس عبد الناصر منه عندما عملت أم كلثوم في أحد أعياد الثورة على الا يغني بين وصلتيها كما تعود حتى يغني متأخرًا بعدما ينصرف الناس,  ولما علم الرئيس أرسل سكرتيره محمد أحمد ليقول له إن الرئيس يطلب اشتراكه في حفل 26 يوليو في الإسكندرية وهو ما اعتبره رد اعتبار له وتكريمًا من الرئيس في شخصه.

تقمص شخصية الرئيس

  في عام 1959 كان عبد الناصر قد أطلق شعار مجانية التعليم وأصبح من حق أبناء الفقراء دخول الجامعة بعدما كانت محرمة عليهم, صور عبد الحليم المسألة في صورة درامية بالغة الجمال والتأثير في كلمات لمرسي جميل عزيز وألحان كمال الطويل هى  أغنية (ذات ليلة), وقد غناها عبد الحليم في حفل أقيم لصالح طلبة الجامعات قال فيها: ذات ليلة/ هبت الريح هزت في عناء بابي / وأطفأت مصباحي / لم أجد نارًا لدي/  لم أجد في البيت شيء / غير أم هي لا تملك إلا الدعوات / وأب لم يبق غيرى للسنين الباقيات / والنهايات السعيدة أصبحت عني بعيدة / دقت الباب قلوب طيبة / قالت انهض وتقدم لا تبالي / بالليالي وتصاريف الليالي / سوف نحمو عن لياليك الحزن/ سوف ننبو بك من كيد الزمن/ قم فباب العلم رحب في انتظارك/ قم وشارك وابن بالعلم الوطن/ قلت من أين أتى هذا الشعاع/ قال الأهداء من قلب شجاع/ أنه جد جمال / إنه قلب جمال.
في عام 1960 وفي احتفالات وضع حجر الأساس للسد العالي بكل ما كان يمثله من رمز للصمود والتحدي والإرادة المصرية يغني عبد الحليم (ملحمة السد العالي) من كلمات أحمد شفيق كامل وألحان كمال الطويل والتي تبدأ بالكورس يغنون: قلنا حنبي وأدى احنا بنينا السد العالي/يا استعمار بنيناه بأدينا السد العالي
في إشارة واضحة لكيد العزال بالمفهوم الشعبي المصري ويدخل صوت عبد الحليم على الكورس إخواني .. ويكرر النداء حتى يقف صوت الكورس كما كان يفعل عبد الناصر في بدء خطاباته ليوقف هتافات الجماهير الصاخبة .. ويقول عبد الحليم متقمصا شخصية عبد الناصر .. الحكاية مش حكاية السد .. حكاية الكفاح اللي ورا السد .. حكايتنا إحنا .. هي حكاية حرب وتار بينا وبين الاستعمار.
تبسيط المفاهيم السياسية
في عام 1963 كانت القرارات الاشتراكية قد صدرت منذ عامين وبدأت تحقق نتائجها  من توزيع الثروة على القاعدة العريضة من الشعب, وكان إحساسًا عامًا بالزهو والفرح والنشوة يسود الجميع فالبلد أصبحت دولة بكل معاني الكلمة فيها صناعات حديثة خفيفة وثقيلة , فيها استصلاح واستزراع أراض جديدة والأرض القديمة وزعت على صغار الفلاحين , وسط هذا الجو وفي احتفال عيد الثورة الذي حضره جمال عبد الناصر وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة يغني عبد الحليم كلمات صلاح جاهين وألحان كمال الطويل "المسئولية" ويقول:
ريسنا فلاح ومعدينا ../ عامل وفلاح من أهالينا ..
ومنا فينا الموج والمركب../ والصحبة والريس والزينة ../ أحلف بقرآني وإنجيلي../ بهدف عظيم دائما يناديلي .. وتلتهب الجماهير وهو يشير إلى جمال عبد الناصر ويقول: أحلف بكل صبي وصبيه../ بعيونهم الحلوة العربية ../ وبجمال وجرح قديم في جبينه../ احلف وأعاهد أعيش مجاهد../ والرب شاهد إني أمين ع المسئولية.
في عام 1964 يغني عبد الحليم كلمات صلاح جاهين وألحان محمد الموجي( بستان الاشتراكية)..
ويفسر فيها معنى الاشتراكية التي كادت تصبح لغزًا مستعصيًا على الفهم من كثرة ما كتب فيها المتخصصون وغير المتخصصين محاولين تفسيرها ويقول:
ما فيش أنا فيه إحنا يا صاحبي ..
أنا وأنت .. وأنت وهو وهيه ..
علينا نعمل الاشتراكية ..
من كلمة حلوه .. للقمة حلوة .. وبيت وكسوة وناس عايشين .. أدى القضية.
·     وتجيء الهزيمة في عام 1967 وتذهب الأحلام الوردية لتبد مرحلة رفض الهزيمة والتمسك بالزعيم ومحاولة إزالة آثارها ويدرك عبد الحليم دوره في هذه المرحلة فيغني متمسكا بالزعيم, ناصر يا حرية .. ناصر يا وطنية .. يا روح الأمة العربية يا ناصر.
ويغني "من قلب المواكب" .. "البندقية اتكلمت" .. "ابنك يقولك يا بطل" "وعدى النهار" التي قيل أن عبد الناصر كان يسأل إذا لم يسمعها في الإذاعة, وأصبحت أصدق أغنية معبرة عن شعور المصريين بالهزيمة ورفضها, ويغني عبد الحليم "أحلف بسماها" والتي جعلها قسما يردده في كل حفلاته العامة والخاصة قبل أي غناء عاطفي وحتى نصر أكتوبر

أم كلثوم صوت الشعب والسلطة فى كل العصور


  • ·        سخر منها الجمهور فقضت عاماً كاملاً فى دراسة المقامات الموسيقية وضروب الإيقاع وطريقة الأداء والتحكم فى طبقات الصوت.
  • ·        تعرفها بأحمد رامى انقذها من اغانى الكباريهات التى كانت سائدةً فى نهاية العشرينات.
  • ·        منولوج (إن كنت اسامح وأنسى الأسية) يبيع ربع مليون إسطوانة  عام 1927ويزلزل عرش سلطانة الطرب منيرة المهدية.
  • ·        ارتباطها العاطفى بمصطفى امين صديق شباب فاروق وشريف باشا صبرى خال الملك فتح لها كل ابواب الفن والسياسة والحياة الإجتماعية.
  • ·        عملت 14 أغنية  لفاروق فى مناسبات جلوسة واعياد ميلاده وحفل زواجه من فريدة  وبمناسبة ميلاد بناته وحفل زواج اخته من شاه ايران ولكن بعد ثورة 23 يوليو ذهبت بنفسها لتمسحهم من ارشيف الإذاعة.
  • ·        سرعة بديهتها وإرتجالها لكلمات تحية غنائية للملك فاروق منحتها وسام الكمال الذى ساواها بأميرات الأسرة المالكه.
  • ·        ألغى الملك فاروق الإحتفالات بالعسكريين العائدين من الحصار فى الفلوجه فإستقبلتهم فى بيتها حيث تعرفت على عبدالناصر.
  • ·        منعت الإذاعة أغانيها لأنها من رموز عهد فاروق البائد فإعترض عبد الناصر قائلاً الأهرامات من العهد البائد فهل يمكن ان نزيلها.
  • ·        خالد عبد الناصر يسأل والده عن عدم وجود وسائل رفاهية فى بيتهم كالموجودة فى بيت ام كلثوم فيرد الزعيم ان ام كلثوم مطربه مشهوره لكن انا موظف حكومه.
  • ·        طلب عبد الناصرمن مصطفى امين قائمة بعشر مرشحات للوزارة فوضع قائمة على رأسها ام كلثوم لوزارة الثقافة ولكن عبدالناصر اختار د. حكمت ابوزيد قائلاً إنها اقلهن جمالاً علشان مش عاوز حد يطلع على كلام أونكت.
  • ·        ذهبوا إلى عبدالناصر بعقد زواجها الرسمى من مصطفى امين المتهم بالتجسس لصالح امريكا وخطاباتها  له فأخفاها حتى وفاته حتى لايخوض احد فى سيرتها.
  • ·        بعدما سجلت فى الإذاعة اغنية ترثى عبد الناصر طلبت منعها لأن السادات تولى ولايجب الشوشرة عليه.
  • ·        وعندما انحبس صوتها  فى عام 1953 كان انور السادات هو الذى يودعها على سلم الطائرة فى طريقها لمستشفى البحرية الأمريكية بمريلاند للعلاج.
  • ·        معارضى السادات وصموا ياسمين الخيام بمطربة السلطة وببنت الشيخ التى أفسدتها جيهان وحولتها الى مغنية  فأفشلوا مشروع صنع مطربة دولة سوبر ستار.




كيف استطاعت فلاحة قرية طماى الزهايرة التى لم تدخل المدارس ان تصبح صديقة للملوك والرؤساء, وكيف استطاعت التغلب على تقلبات السياسة التى غيرت الملوك والرؤساء وتوجهات الدولة, والطبقات التى تحقق مصالحها وتطلعاتها وتظل فى نفس مكانتها, وكيف استطاعت ان تبنى لنفسها مجداً فنياً وادبياً مازال باقياً لتظل ام كلثوم  زعيمة الطرب وسيدة الغناء الأولى فى الوطن العربى حتى اليوم, مع انها ظهرت عام 1923فى عهد الملك فؤاد  وتوفت فى عام 1975 فى عهد الرئيس السادات مروراً بعهدى الملك فاروق وجمال عبدالناصر.


 
كان الظهور الأول لأم كلثوم فى القاهرة فى شهر نوفمبر سنة 1923 على مسرح بيلوت باسك فى شارع الألفى, كانت ترتدى العقال والجلباب وتصاحبها بطانة من المنشدين, وانشدت ام كلثوم لحناً دينياً مشهوراً هو (مولاى كتبت رحمة الناس عليك), ولكن طريقة لبسها جعلت أحد المستمعين يصيح (كتب علينا الغلب ياأختى), وضج الجمهور بالضحك بينما إنفجرت هى فى البكاء بعدما فشلت أولى محاولاتها لغزو القاهرة, ولكن أستاذها ومعلمها محمد ابو العلا وقف إلى جانبها مشجعاً ومعلماً, فقضت عامها الأول فى القاهرة تتعلم منه المقامات الموسيقية وضروب الإيقاع وطريقة الأداء والنطق الصحيح والتحكم فى طبقات الصوت.
كانت مشكلة ام كلثوم مع الجمهور انه تعود على فن الكبارية حيث الكلمات والألحان السهلة الخفيفة الى حد الإبتذال احياناً, وقد اغرى نجاح مثل هذه الاغنيات كبار الملحنيين والمطربين  على ادائها مثل عبداللطيف البنا, وداود حسنى الذى غنى (البدنجان ابو خله) ومنيرة المهدية التى غنت (أرخى الستارة اللى فى ريحنا), وهذا النوع من الغناء لم يكن يناسب من تعودت على إلقاء القصائد الفصحى, ولكن وجدت أم كلثوم ضالتها فى كلمات الشاعر أحمد رامى العائد من بعثة فى فرنسا والذى يكتب الشعر الفصيح ولكن وقوعه فى غرام ام كلثوم جعله يكتب لها الأغانى العامية, وظهرت أم كلثوم فى صالة سانتى فى العام 1924 وغنت الأغانى الخفيفة ولكن ذات المعانى البعيدة عن الإبتذال, فكانت اغنية (خايف يكون حبك لى) من الحان احمد صبرى النجريدى وكلمات احمد رامى اولى خطواتها على طريق النجاح.

وحققت اعمالها مع طبيب الأسنان هاوى الموسيقى النجريدى نجاحاً لابأس به ولكن فشل مشروع ارتباطهما عجل بإنفصالهما الفنى, وكانت خطوتها الثانية عندما قابلت محمد القصبجى وقد أثار منولوج (إن كنت اسامح وأنسى الأسية) والذى لحنه لها  عام 1927ضجة كبرى, فقد بيع منه ربع مليون إسطوانة وزلزل عرش الغناء من تحت أقدام سلطانة طرب هذا الزمان منيرة المهدية,  ولم يمر عامان حتى كانت ام كلثوم هى أهم مطربة مصرية وبعد سنوات قليلة إعتزلت منيرة المهدية الطرب.
الفاروقيات والعائلة الملكية
بدات علاقة ام كلثوم بالعائلة الملكية عندما غنت امام الملك فؤاد فى افتتاح مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932 اغنيتها (افديه ان حفظ الهوي او ضيعا.. ملك الفؤاد مما عسي ان اصنعا) واعجب الملك بإستخدامها لكلمات اغنيتها لمجاملته, ثم إرتبطت ام كلثوم بعلاقة قوية بالملك فاروق وأفراد اسرته ليس فقط لأنها أهم وانجح مطربات عصرها ولكن أيضاً لعلاقتها القوية بإثنين من المقربين من الملك  وقد ارتبطت بهم بعلاقات عاطفية, اولهم هو الصحفى مصطفى امين, وهو احد ابناء العائلات الإرستقراطية الذين اختارهم احمد حسنين باشا كأصدقاء مقربين من ولى عهد الملك فؤاد الذى اسندت اليه مهمة تعليمة وتربيته, وكان الشخص الثانى فى بلاط فاروق المقرب من ام كلثوم هو شريف باشا صبرى خال الملك, بعض الروايات تقول ان شريف باشا صبرى هام حباً فى ام كلثوم وأراد زواجها ولكن التقاليد كانت تمنع إبن البشاوات من الزواج من مغنية, وفى بعض الروايات ان  ارض فيلا ام كلثوم فى الزمالك التى إنتهت من بنائها فى بداية الثلاثينات كانت هدية من شريف باشا صبرى, والذى كان مديراً لمكتب عدلى يكن رئيس وزراء مصر لثلاث مرات بين 1921- 1930, كما تزوج من إبنته, وعندما توفى الملك فؤاد فى عام 1936 عين البرلمان مجلس وصاية على العرش حتى يبلغ الملك الجديد سن الرشد, وكان المجلس مكون من الأمير محمد على باشا شقيق  الملك فؤاد, وعزيز عزت باشا, وشريف صبرى باشا خال الملك فاروق.

وفى عيد ميلاد الملك فاروق التالى  والذى وافق 11 فبراير 1937, والذى اقيم فى سراى عابدين كانت ام كلثوم هى المطربة الوحيدة التى احيته, فبرنامج الحفل لم يتضمن سوى السلام الملكى وقصيدة لمحمد عبدالقدوس, واغنية تهنئة عيد الميلاد من تأليف بديع خيرى وتلحين زكريا احمد, ثم قطعة موسيقية لفرقة المعهد الملكى للموسيقى العربية, ثم قطعة غنائية لأم كلثوم.
وقد غنت ام كلثوم للملك بإسمه مجموعة من الأغانى بلغ عددها اربعة عشر اغنية وقد اطلق عليها اسم( الفاروقيات )كان اولها بمجرد توليه للعرش, وكانت فى الأصل قصيدة كتبها احمد شوقى فى مدح السلطان العثمانى محمد رشاد الخامس, ولكن ام كلثوم غيرت فى كلماتها لتناسب الملك فاروق, ولحنها لها رياض السنباطى وتقول كلماتها :
الملك بين يديك في إقباله / عوّذت ملكك بالنبي وآله
حر وأنت الحر في تاريخه / سمح وأنت السمح في أقياله
يفديك نصرانيّه بصليبه / والمنتمي لمحمد بهلاله
يجدون دولتك التي سعدوا بها / من رحمة المولى ومن أفضاله
يا جنة الوادي ونزهة روحه / ونعيم مهجته وراحة باله
فاروق جمّلها وزان ضفافها / عرش يلوذ الشعب تحت ظلاله
وكأنّ عيدك عيدها لما مشى / فيها البشير ببشره وجماله
وفي نفس العام أيضا غنت " يا مليكي الحسن" من تأليف بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد ، وفى ينايرعام 1938 في حفل زفاف الملك فاروق على الملكة فريدة أنشدت أم كلثوم " أشرقت شمس التهاني " وهي من كلمات أحمد رامي وألحان السنباطي ، وغنت " اجمعي يا مصر أزهار الأماني " في عيد ميلاد الملك فاروق عام 1938 من تأليف أحمد رامي وألحان رياض السنباطي أيضا ، ومع قدوم أول مولودة للملك فاروق وهي الأميرة فريال عام 1938، غنت أم كلثوم قصيدة "يا أغاني السماء " من كلمات محمود حسن اسماعيل وألحان رياض السنباطي ، وعام 1939 غنت "ارفعي يا مصر أعلام السرور " وهي بمناسبة مرور عام على زواج فاروق وفريدة ، ثم أنشدت قصيدة أخرى في نفس العام احتفالا بمولد الأميرة فادية وهي قصيدة " أميرة الوادي " من تأليف رامى وألحان السنباطي .
وعندما جاء ولى عهد إيران محمد رضا بهلوي  فى مارس 1939 ليتزوج من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، اصرت الملكه نازلى على ان تزف العروسين ام كلثوم, وفشلت ام كلثوم فى اقناعها ان هذه مهمة مشاهير العوالم وليس المطربات, وامام اصرار الملكه الأم كلفت ام كلثوم بديع خيرى بكتابه اغنية زفه لها لحنها زكريا احمد, وكانت تقول كلماتها :
مبروك على سموك وسموه/ دا تاج إيران والنيل الغالي
ياللي القمر قال لك في علوه/ أغيب وتطلعي انت بدالي
وكانت المره الأولى والأخيرة التى تزف فيها ام كلثوم عروس, اما فى الحفل الذى رقصت فيه بديعه مصابنى وغنى المطرب اللبنانى محمد البكار فقد غنت ام كلثوم (على بلد المحبوب ودينى).
وغنت أم كلثوم عام 1940 " يا بدر لما جبينك لاح " لرامي والسنباطي بمناسبة ذكرى الزفاف الملكي .
وفي عام 1943 غنت أم كلثوم بمناسبة عيد ميلاد الملك فاروق " يازمن مرت الأيام " كلمات رامي وألحان القصبجي وفي نفس العام غنت " لاح نور الفجر " في عيد الجلوس وهي أيضا لرامي والقصبجي ، و"يا سنى التاج عالي اللواء" عام 1937 لرامي والقصبجي .
وفي عيد الجلوس عام 1944 غنت " تغنى بحبك موج البحر " تأليف محمود حسن اسماعيل وألحان السنباطي
وظلت ام كلثوم  المطربة المفضلة عند الملك فاروق حتى انعم عليها بوسام الكمال الذى يساويها ببنات الأسرة الملكية وزوجات رؤساء الوزراء حيث يمنحها لقب صاحبة العصمة, وكان ذلك في ١٧ سبتمبر عام ١٩٤٤ وفي ليلة عيد في حفل مُقام بالنادي الأهلي, كانت أم كلثوم تغنى  "يا ليلة العيد"، ولدى دخوله جلس على مائدة احمد حسنين باشا رئيس النادى ورئيس ديوانه الملكى, إرتجلت ام كلثوم وغيرت فى كلمات الأغنية وقالت :
"يا نيلنا ميتك سكر وزرعك في الغيطان نور/ يعيش فاروق ويتهنى ونحيي له ليالي العيد"، ثم انتقلت أم كلثوم وانتقل معها التخت سريعاً إلى الكوبليه الأخير من أغنية "حبيبي يسعد أوقاته"، فغنت :
حبيبي زي القمر قبل ظهوره يحسبوا المواعيد/ حبيبي زي القمر يبعث نوره من بعيد لبعيد. . والليلة عيد على الدنيا سعيد/ عز وتمجيد لك يا مليكي
وظلت ام كلثوم مطربة الملك الأولى حتى قامت ثورة يوليو و لاحظ جمال عبد الناصر، أن الإذاعة المصرية توقفت عن إذاعة أغنيات أم كلثوم، وكان عبد الناصر من عشاقها فاتصل بمدير الإذاعة وسأله: "لماذا لا تذيعون شيئًا لأم كلثوم منذ أسبوعين"، فرد مدير الإذاعة: "إنها من العهد البائد".فرد عبدالناصر قائلاً: "وما رأيك في الأهرام لماذا لم تزيلوها من مكانها أليست من العهد البائد".
وكان من رأى بعض  الضباط الأحرار انها من رموز عهد فاروق وكانوا هم من اصدروا قرار منع اغانيها من الإذاعة, وقاموا كذلك بتحريض عبد الوهاب لينافسها على منصب نقيب الموسيقيين والذى كانت تحصل عليه بالتزكيه ,وعندما أدركت حجم ما يحاك ضدها ابلغت اعلنت إعتزالها الغناء, وعلم بذلك عبد الناصر فذهب إليها مع عبد الحكيم عامر وصلاح سالم فعدلت عن قرار الإعتزال, وعادت نقيبة للموسيقيين وذهبت إلى دار الإذاعة لتشرف بنفسها على حذف المقاطع فى اغانيها التى تتغنى بفاروق وتمجده.
الضباط الأحرار فى ضيافة ثومه

كانت بداية تعارف ام كلثوم مع عبدالناصر تعود إلى أيام حصاره فى حرب 1948 فى الفالوجا, وكان هو وزملائه يستمعون إلى غنائها فى الراديو وإقترح بعضهم أن يرسلوا لأم كلثوم لكى تغنى لهم فى حفلتها الشهرية القادمة,  ويقول محمود عوض في كتابه "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد"، أن اللواء المصري المحاصر في الفالوجة الفلسطينية، منذ أكتوبر 1948، حتى أبريل 1949، طلب عبر اللاسلكي ضمن ما يُطلب من القيادة المصرية آنذاك، طلبا خاصا، هو أن تغني أم كلثوم في حفلها المقبل، والذي كان مقررا إقامته في الخميس الأول من فبراير 1949، وكان يوم 3 من الشهر، أغنية "غلبت أصالح في روحي".
نقل هذا الطلب الفريق محمد حيدر إلى الكاتب مصطفى أمين، الذي بدوره نقله إلى أم كلثوم التي كانت أعدت برنامج الحفلة بالفعل، وكان يضم 3 أغنيات لم تكن "غلبت أصالح في روحي" منها، إلا أنها لبت طلب اللواء المحاصر في الفالوجة، وكانت واحدة من أجمل تسجيلاتها للأغنية, وكان اللواء يضم قائده سيد محمود طه، وجمال عبدالناصر الذي سيصبح رئيسا للجمهورية بعد ثورة 1952, وبين حصار الفالوجة وثورة يوليو، كانت عودتهم من فلسطين، حيث احتفت بهم أم كلثوم بفيلتها بالزمالك، وكانت وقتها نقيبة للموسيقيين، وكانت كل النقابات قد عقدت العزم على الاحتفاء بالعائدين، إلا أن قرارا من الملك فاروق الذي كان يخشى غضب الضباط فمنع الاحتفالات، فنقلت أم كلثوم الحفل لمنزلها، ودعت نحو خمسين فردا من اللواء".
اسرة الرئيس فى ضيافة ثومة

وعندما وقعت محاولة إغتيال جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية 26 اكتوبرعام 1954 سارعت بعمل اغنية لجمال عبد الناصر كتبها بيرم التونسى هى (ياجمال يامثال الوطنية), لتصبح بعد ذلك صديقة شخصية للرئيس ولعائلته.
عندما وقع العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956 أرادت تسجيل نشيد (والله زمان ياسلاحى) الذى لحنه لها كمال الطويل, ولما كانت الإذاعة هدفاً يمكن قصفه بالطائرات, بعد ما قصفت القوات المعتديه  محطات تقوية الإذاعة فى ابوزعبل, قررت ام كلثوم تسجيل الإغنية فى مدينه بنها, ولما كان هناك حظر تجول فقد ارسل عبد الناصر احدى سيارات رئاسة الجمهورية لتقل ام كلثوم الى بنها.
وفى نفس التوقيت واثناء العدوان الثلاثى تقرر نقل اسرة الرئيس عبدالناصر الى احد المبانى الحكومية لتأمينهم إذا تم قصف منزل الرئيس, ووقع الإختيار على مبنى فى الزمالك وكان بجوار منزل ام كلثوم التى علمت بوجود ابناء الرئيس فى جوارها فقامت بإستضافتهم فى منزلها, وينسب إلى خالد عبد الناصر انه سأل والده عن عدم وجود الكثير من وسائل الترف والرفاهية فى بيتهم كالموجودة فى بيت ام كلثوم فأجابه الزعيم ان ام كلثوم مطربه مشهوره بينما هو موظف حكومه.
ويحكي خالد عبدالناصر نجل عبد الناصر عن هذه العلاقة قائلا: "كنت أري أم كلثوم في بيتنا منذ أن كنت في الخامسة من عمري، وكانت تحرص علي حضور عيد ميلادي، وأعياد ميلاد أبناء جمال عبدالناصر.. وكانت صداقتها قوية بوالدتي.. وكان الوالد دائما مشغولا، وبالتالي كانت مقابلاته لها حين تأتي إلي البيت في منشية البكري قليلة، رغم حبه الشديد لصوتها، وتقديره واحترامه لشخصها".
ام كلثوم وزيرة ثقافة

اراد عبدالناصر ان يكون للمرأة دور فى الحياة العامه  فى منتصف الخمسينات فقرر تعيين إمراة وزيرة وطلب من مصطفى امين اعداد قائمة بعشر مرشحات ومعلومات عن كل واحدة منهن, ووضع مصطفى امين القائمة وعلى رأسها ام كلثوم مرشحة لوزارة الثقافة, ولكن عبدالناصر اختار د. حكمت ابوزيد وكان تفسير هذا الإختيار من عبدالناصر لمصطفى امين لأنها اقلهن حلاوة علشان مش عاوز يطلع عليه كلام وشوشرة ونكت.
ويذكر البكباشي موفق الحموي الذي كان مديرا للرقابة أنه عندما اتصل به الرئيس عبدالناصر ليبلغه خبر زواج أم كلثوم من الدكتور حسن الحفناوي فى عام 1954 سأل الرئيس عما إذا كان الخبر شائعة من  الشائعات.. فرد عبدالناصر: "لا .. الخبر صحيح،  لكن أم كلثوم اتصلت بي و طلبت مني منع نشر الخبر في الوقت الراهن."
وكان تقدير عبد الناصر قد دفعه لجعلها مطربة الثورة التى تحيي اعيادها, وحتى عندما تسببت فى غضب عبدالحليم حافظ بتأخرها فى وصلتها حتى يغنى هو بعد انصراف كبار رجال الدولة, قرر عبدالناصر ان يكون الإحتفال بذكرى 23 يوليو حفلاً لأم كلثوم على ان يحيى عبدالحليم حفلاً آخر فى الأسكندرية فى 26 يوليو إحتفالاً بذكرى خروج الملك من مصر, وعندما وقعت النكسة فى 1967 وقرر عبدالناصر التنحى غنت له (إبقى), ونظمت سلسلة حفلات فى الداخل فى المحافظات المختلفه وفى الدول العربية وفى اوربا جمعت فيها اكثر من مليونى جنيه لصالح المجهود الحربى.
وعندما توفى غنت قصيده لنزار قبانى بعنوان (عندي خطاب عاجل إليك) ولحنها لها رياض السنباطى, وكما يقول الإعلامى وجدى الحكيم فى احد احاديثه الصحفية," هذه الأغنية سجلتها أم كلثوم في ليلة كاملة من 12 صباحا وحتى الساعة 8 صباحا بسبب حزنها الشديد على عبدالناصر وقتها الذي جعلها تبكي مع كل جملة تسجلها، ولكن بعد تسجيل الأغنية رفضت إذاعتها لأن اليوم الذى تحدد لذلك تولى فيه انور السادات الحكم, فقالت الحزن على عبدالناصر فى القلب, ولايجب ان نشوشر على الرئيس الجديد
وقد امتد تقدير عبدالناصر لأم كلثوم إلى حد حمايتها من الفضائح الصحفية, فعندما إتهم مصطفى امين بالتجسس لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية وقبض عليه عام 1960 واثناء تفتيش مكتبه فى اخبار اليوم عثر الضابط اسماعيل الإمبابى مدير مكتب كمال رفعت ضابط المخابرات الذى كان مسئولاً عن دار اخبار اليوم على عقد زواج شرعى بين ام كلثوم ومصطفى امين, وعدد من الخطابات الغرامية مرسله من ام كلثوم له تبدأ بزوجى العزيز, وهى مكتوبه على ورق فندق سيسل بالإسكندرية, ويقول رجاء النقاش  وهو زوج لقريبة للضابط كمال رفعت فى كتابه (معجزة ام كلثوم) على لسان المسئول الكبير الذى وقعت فى يده هذه الأوراق" اننى حملت هذه الأوراق الى جمال عبد الناصر الذى امسك بها ونظر اليها وابتسم دون ان يعلق بشئ ثم وضعها فى جيبه, ومن يومها لم تظهر هذه الأوراق على الإطلاق, ولم يطلع عليها احد.". . ويظن المسئول الكبير فى رواية رجاء النقاش- هو كمال رفعت- ان عبد الناصر اعتبرها شأنا خاصاً لايجب الخوض فيه.

لغز مصطفى امين


كان مصطفى أمين لغزاً في حياة أم كلثوم فالشواهد التي تدل على مدى عمق العلاقة بينهما كثيرة ويؤكدها هو نفسه شخصياً في كتاباته, ولكن متى تم هذا الزواج وإلى أي مدى استمر فالعلاقة بينهما كانت قوية ومتينة وممتدة على مدى عمر أم كلثوم كله كما توضح كتابات مصطفى أمين, فيقول عن ذكريات إصدار أخبار اليوم : " كانت أم كلثوم متحمسة جداً لإصدار صحيفة مصرية خالصة .. وأول نسخة من أخبار اليوم حملتها وذهبت بها إلى بيتها في الزمالك,  كان الوقت منتصف الليل, فرحت جداً وكانت من اللحظات السعيدة في حياتها وطبعاً في حياتي " .
ويقول أيضاً مصطفى أمين : " كانت أم كلثوم أول من شجعنا على إصدار أخبار اليوم, وأول من وقفت معنا, وحدث أن خاضت أخبار اليوم معركة طاحنة مع إحدى الحكومات,  صحفها تصادر كل يوم, المظاهرات تضربها بالطوب, مجهولون يلقون عليها القنابل والديناميت, محرروها يزجون في السجون والمعتقلات,  وأصدرت الدولة أمراً الى الشركات والمحال التجارية بعدم نشر إعلانات في أخبار اليوم, ورضخت بعض الشركات للضغط  وخافت أن تغضب الدولة فامتنعت عن نشر الإعلانات, ووقعت أخبار اليوم في ضائقة مالية وبعنا البيت الذي نملكه في الروضة, ولكن لم يكف سداد المطلوب,  وبعنا أسهم أبي في شركة بيع المصنوعات المصرية ولكن ابتلعتها الجريدة الجائعة, وذهبنا إلى البنوك نقترض منها ولكن صدرت الأوامر للبنوك بالامتناع عن إقراض أخبار اليوم, وكنا قد استنفذنا كل ما نستطيع أن نقترضه من البنك العربي ونذكر هنا أن صاحبه الفلسطيني عبدالحميد شومان فتح حساباً لأخبار اليوم على بياض بثلاثين ألف جنيه, ولكن الثلاثين ألف جنيه انتهت أيضاً وامتدت أيد كثيرة لتنقذنا, وكنا نخفي هذه الحقيقة عن كل من يعمل معنا, كنا نضحك وقلوبنا تبكي,  كنا نكتب ولا نعرف هل سنجد ثمن الورق الذي ستصدر به الجريدة في اليوم التالي, وذات يوم دق جرس التليفون في مكتبي وإذا بها أم كلثوم وقالت أنها تريد أن تقابلني أنا وعلي أمين فوراً في بيتها, فذهبنا إليها فقالت أنها علمت أننا في أزمة خانقة وأن أخبار اليوم مهددة بالإفلاس وأنها على استعداد لأن  تضع كل مليم تملكه تحت تصرف أخبار اليوم,  وبهتنا وسألناها من أين عرفت هذا السر فقالت أنها ترفض أن تقول من أين علمت بهذا السر, وأحضرت لنا مبلغ عشرين  ألف جنيه وقالت أنها مستعدة لأن تبيع مصاغها وبيتها وتقدم لنا حتى مائة ألف جنيه قلنا لها انت مجنونة, إن هذا المبلغ قد يضيع , قالت :" إن الذي يهمني هو ألا تموت جريدة مصرية "
فقلنا لها : "إننا نشك في أننا نستطيع أن نسدد لك هذا المبلغ قبل سنوات ".
قالت :" لا أريد أن تسددوه إلا بعد أن تسددوا آخر دين عليكم للآخرين ".
واكتفينا بمبلغ 18 ألف جنيه , وأردنا أن نكتب إيصالاً باستلامنا المبلغ ورفضت أم كلثوم أن تكتب هذا الإيصال, وكتبنا الإيصال فمزقته ورمته في وجوهنا.
ويحكي مصطفى أمين موقفاً آخر لأم كلثوم عندما سجن سنة1960 بعد اتهامه بالتجسس لصالح المخابرات الأمريكية ويقول : " دخلت السجن ووضعوني تحت الحراسة وصادروا أموالي في البنك, وكان القرار أن أموت جوعاً وسدوا على جميع المساعي حتى لا يصلني قرش واحد من أخي علي الموجود في لندن, كنت أعرف أن الكثير من أصدقائي سوف يقبلون أن يقرضوني في هذه المحنة ولكنني رفضت أن أحرجهم لأنني أعرف أنهم يقبضون على كل من يمد يده بالمساعدة لمسجون سياسي, وفكرت في أن ألجأ إلى أم كلثوم وقلت لها أنني محتاج إلى مائة جنيه فوراً وأحب أن أنبهها أن هذا المبلغ سوف يعرضها لتوضع أموالها تحت الحراسة, وقلت لها أنني لن أتضايق إذا رفضت أن تقرضني هذا المبلغ وقلت في ختام رسالتي أنني قد لا أستطيع رد هذا المبلغ قبل عشر سنوات وقد لا أستطيع رده أبداً, وأرسلت أم كلثوم لي 500 جنيه وقالت أنها مستعدة أن ترسل لي خمسة آلاف جنيه .
وحدث أثناء سجني أن جلست أم كلثوم مع الرئيس عبدالناصر والمشير عامر والموسيقار محمد عبدالوهاب يتناولون العشاء على مائدة نادي الضباط وكان هذا عقب القبض عليّ بيومين, والتفت عبدالناصر إلى أم كلثوم وسألها عن رأيها هامساً قالت أعرف مصطفى أمين طوال حياته وأعرف وطنيته وأعرف كيف دخل كل مليم أخبار اليوم, وأشاح عبدالناصر بوجهه فاستمرت تدافع عني, ثم سعت أم كلثوم لدى عبدالناصر والمشير عامر للإفراج عني وفشلت, وذات يوم كنت في زنزانتي في ليمان طره وجاء عسكري يقول لي الدكتور عبدالقادر إسماعيل كبير أطباء السجن يريدك فوراً,  وذهبت إليه ونظر إلي كبير الأطباء شذراً وقال لي :" اخلع الجاكتة ", ودهشت من لهجة وغطرسة الأمر, فقد كان رجلاً وديعاً ومؤدباً, وتضايقت, إنه يكلمني بهذا الجفاء أمام المسجونين الآخرين الذين يملأون غرفة العيادة, وخلعت الجاكيت وإذا بكبير الأطباء يقول لي بنفس اللهجة القاسية : "أرقد على مائدة الكشف" .. وخضعت ونمت ووجدت الطبيب يضع سماعته على جسمي العاري وينحني ليقول لي هامساً :" أم كلثوم بتقول لك اسمعها يوم الخميس القادم إنها ستغني لك قصيدة فيها بيتان أو ثلاثة توجههم لك" .. وجلست في زنزانتي أياماً أنتظر قصيدة أم كلثوم والأبيات الثلاثة وفي مساء الخميس غنت أم كلثوم قصيدة الأطلال,  وكانت إذاعة السجن تذيع الحفلة كلها على الهواء بناء على إلحاح المسجونين وفجأة سمعت أم كلثوم تغني : أعطني حريتي .. أطلق يديا .. إني أعطيت ما استبقيت شيئاً .. انتفضت في فراشي وأنا أسمع هذه الأبيات,  أحسست أنني أتلقى من أم كلثوم رسالة تقتحم أسوار السجن, ولم تتوقف أم كلثوم عن المطالبة بالإفراج عني, ذات يوم صحبت أم كلثوم ابنتي رتيبة وابنتي صفية إلى بيت الرئيس أنور السادات وقابلت معهما السيدة جيهان السادات وتلقت وعداً من السادات بأنه سيفرج عني بعد المعركة مباشرة وأنه يعرف أنني مظلوم.

بديل ساداتى لأم كلثوم

عندما تولى السادات الحكم فى سبتمبر 1970لم يكن جديداً على ام كلثوم فهو نائب عبدالناصر, وقبلها كان عضو مجلس قيادة الثورة المسئول عن شئون الفن والفانيين, وعندما مرضت ام كلثوم فى عام 1953 وانحبس صوتها ولم يجرؤ طبيب عربى على لمس حنجرتها, وتطوعت البحرية الأمريكية لعلاجها فى مستشفاها بولاية مريلاند كان انور السادات هو الذى يودعها على سلم الطائرة, ورغم ان السادات كتب فى مذكراته انه يحب صوت اسمهان إلا ان ام كلثوم كانت من المدعوات فى حفلات زواج بناته فلم تكن بينه وبينها عداوة ولاقطيعة كما حاولت بعض الأقلام ان تصور للناس بعد رحيل السادات, فقد حكى كثيرون عن ان علاقة انور السادات وزوجته جيهان كانت متوتره يشوبها الغضب من الرئيس تجاه ام كلثوم, لأنها كانت ترفع الكلفه معه بسبب سابق معرفتهم, ولأن زوجته جيهان كانت تريد ان تكون السيدة الأولى والأخيرة فى البلد, ويستدلون على ذلك بمحاولات جيهان والسادات تقديم ياسمين الخيام  كمطربة رسمية فى حفلات الرئيس وزوجته لتكون مطربة الرئيس الرسمية, وانشاء جيهان لمؤسسة الوفاء والأمل للقضاء على مشروع ام كلثوم للخير, والحقيقة التى لايناقشها احد ان ام كلثوم عند تولى السادات للحكم كانت فى سنواتها الأخيرة, وانتاجها الغنائى كان شبة منعدم حتى ان اغنية (حكم علينا الهوى) سجلت فى الإستديو ولم تستطع ام كلثوم غنائها فى اى حفل عام بسبب ظروف مرضها, كما ان مشروع جيهان (الوفاء والأمل) بدأته بعد حرب اكتوبر لرعاية مصابى الحرب على غرار مشروعات المحاربين القدماء فى الخارج, وكان طبيعياً ان توجه كل جهود الدولة لمشروع زوجة الرئيس على حساب مشروع ام كلثوم الذى انضمت كوادره وممتلكاته الى مشروع جيهان ولكن بعد رحيل ام كلثوم.

اما محاولة خلق مطربة كبيرة تاخذ مكان ام كلثوم المريضه, والمحسوبة جماهيرياً على عبدالناصرفكان بالفعل حلماً عند السادات وزوجته, وذلك لأستغلال مكانتها جماهيرياً وعربياً فى خدمة الرئيس والدعاية له ولسياساته, ولكن معارضى السادات وتوجهاته ومحبى عبدالناصر وصموا ياسمين الخيام بنت الشيخ الحصرى قارئ المقارئ المصرية بمطربة السلطة, وبنت الشيخ التى تربت تربية دينية فأفسدتها زوجة الرئيس وحولتها الى مغنية, فأفشلوا مشروع الرئيس وزوجته فى صنع مطربة دولة سوبر ستار, ثم افشلوا ياسمين نفسها حتى لاتصبح مجرد مطربة بعد رحيل السادات.