Translate

الخميس، 16 يونيو 2011

مكرم محمد احمد شاهد عيان على ما حدث للجيش المصرى فى يونيو 1967


أرسله هيكل هناك ليدخل إسرائيل مع الجيش المصري
مكرم محمد أحمد : قال لي هيكل " ربما تكون أول صحفي مصري يدخل اسرائيل بعد هزيمتها"
الحوار مع الاستاذ مكرم محمد أحمد لا يستمد قيمته فقط من قيمة الاستاذ كأكبر محلل سياسي أو كصحفي كبير مخضرم عاش الأحداث في مطبخ «الأهرام» حيث الأستاذ هيكل أحد أركان النظام وقتها.. ولكن الاستاذ مكرم فوق ذلك أتيح له أن يكون شاهد عيان عندما أرسل إلي غزة في يوم يونيو ليكون قريبا من الأحداث وليكون أول صحفي يرافق القوات المصرية وهي تدخل إسرائيل ولكن ما حدث بالفعل هو أن الاستاذ مكرم كان شاهدا علي تفاصيل التفاصيل لما جري أيام الحرب سواء من مكانه في غزة أو في مغامرة عودته إلي القاهرة عبر مركب شراعي من ساحل غزة.


·     في السنوات القليلة التي سبقت يوليو كان هناك عداداً كبيراً من الصحفيين نفسها أهوال ما يحدث في المعتقلات علي غير الحقيقة ليخاف الناس من مناقشة السياسة والهم العام.. وما شهادتك علي هذه الفترة؟
- معظم القوي الوطنية كانت تقف مع عبد الناصر في معركته ضد الأمريكان ولتحقيق الاستقلال
الوطني وإعادة توزيع الثروة توزيعا عادلا وكانت الناس ملتفه حول الثورة وتوقف الكلام عن أنها انقلاب عسكري واصبح المؤكد انها ثورة تسعي لتغيير المجتمع وكان لها تأثير علي المستوي العربي والعالمي .
ولكن علي جانب آخر كانت هناك شواهد تؤكد أن الثقة لم تكن كاملة في النظام أذكر منها الشائعة التي سرت في بعض أوساط القاهرة أن النظام يسعي لتعقيم الصبية الصغار للسيطرة علي زيادة النسل فاندفعت الأمهات إلي سحب أولادهن من المدارس ولكن في المجمل العام تستطيع القول إن الثورة كانت تحظي بدعم غالبية أبناء الشعب.
·        وماذا عن الصحفيين والكتاب الذين كانوا في المعتقلات في هذه الفترة؟
ـ هذا الوضع انتهي بالتصالح الذي تم بين اليساريين ونظام يوليو خاصة أن اليساريين عندما خرجوا لم يسعوا إلي الاتجار بقضية السجون فكانت مقالاتهم عنها قليلة ربما بعد وفاة عبدالناصر خرجت مقالات عن فترة السجن.. وقد تسرب في  هذة الفترة كلام عما جري في المعتقلات للإخوان المسلمين كما تسرب ما حدث من معاملة سيئة في قرية كمشيش لعائلة الفقي وانحياز الثورة ممثلة في المشير عامر ورجاله إلي الفلاحين وشاهندة  مقلد في هذا الصراع.. ولكن لا أستطيع أن أقول إن هناك شرخا بين النظام وجموع  الصريين.وفي هذه الفترة كتب سيد قطب كتابه الذي كفر فيه الدولة ودعا إلي اعتزالها، والذي اصبح دستورا لكل الجماعات المتطرفة بعد ذلك.
·    في الشهور القليلة التي سبقت قيام حرب يونيو  والتداعيات التي أدت إليها بداية من أنباء الحشود الإسرائيلية علي الجبهة السورية ثم إغلاق المضايق وخروج القوات الدولية، كيف تقيم المعالجة الإعلامية لهذه الأحداث في وسائل الإعلام خاصة في جريدة الأهرام التي كنت قريبا من مطبخها؟
الأهرام عالج الوضع بشكل احتفالي ووصف عملية التعبئة وخروج القوات للحرب بأن كل شيء مهيأ للانتصار وإن لكل عسكري في سيناء أن ينهي عملية احتلال إسرائيل للأراضي العربية، لأن النصر محتم وأن الاسلحة في سيناء تسد عين الشمس .. التعبئة كانت شديدة والأهرام ساهم في هذه التعبئة ولوراجعت المنشيتات في هذه الفترة ستجد ذلك .. والحقيقة أنه لم تكن هناك نظرة فاحصة لما يجرى  داخل القوات المسلحة كما حدث في فترة يقظة الضمير التي أعقبت الهزيمة، حيث عملت القوات المسلحة تقريرين مهمين أذيع أحدهما علي نطاق واسع الذي كتبه اللواء حسن البدري وفيه نظرة نقدية لما جري في الحرب من وضع القوات علي مسرح العمليات قبل بدء العمليات، ثم بعد بدء العمليات، ولأن التقرير الأول أحدث رجة وكشف أن القوات المسلحة لاتعمل بمعدلات عمل نتقدمة، وأن اللواء الذي يشكل الاحتياطي ذهب للقتال بملابسه المدنية، والفوضي التي حدثت في حشد الاحتياطي والنقص الشديد في التسليح للقوات المتقدمة، والوضع الصعب للفرقة الرابعة المدرعة المكلفة باقتسام سيناء والنقب والدخول إلي إسرائيل .. كذلك الآثار السلبية لحرب اليمن علي القوات.. حيث انهكت القوات في حرب لا تعرف من العدو فيها وسقطوا في يد أمراء الطوائف والمتاجرين بالحرب من زعماء القبائل دون تحديد نصر حاسم ورغم كل ما حققته القوات المصرية هناك من مكاسب للمجتمع اليمني إلا أنها لم تحقق أي مكاسب عسكرية ولم تتطور أساليبها وتكتيكاتها كجيش.
مغامرة صحفية
·       كيف خططت الأهرام لتغطية الحرب؟
لم تكن الصحافة في هذه الأيام طريقا للناس يقابله طريق من الناس للقيادة .. كانت وظيفة الصحافة هي الحشد والتجميع أكثر منها وسيلة إشراك وحوار.
ولما بدا أن الحرب قادمة استدعاني الاستاذ هيكل وقال لي الحرب ستقوم وأذهب إلي غزة لتكون في موقع متقدم، وربما تكون أو من يستطيع أن يدخل إسرائيل .. وكان هناك الزميلان صلاح هلال مساعد رئيس التحرير ورئيس قسم التحقيقات والمصور انطون ألبير وقد طلب منهما السفر إلي العريش.
وذهبت إلي الشئون العامة للقوات المسلحة لاستخراج التصريح وهناك طلبوا مني التوجه إلي مخابرات العريش.. وصلت العريش في الرابعة عصرا يوم يونيو، وفي محطة القطار هناك كانت الفوضي عارمة.. أفراد من الوحدات قادمة من القاهرة بينها قوات احتياط بالجلابيب لا يعرفون وحداتهم وأماكنها .. ذهبت إلي قيادة المخابرات الحربية وقيل لي إن القائد في مهمة تلقين، وعرفت أنه يلقن مجموعة من الفدائيين المصريين الذين وظفتهم المخابرات وكانوا مجموعة أفراد لفت نظري أنهم أصحاب كروش.. أخذت التصريح وغادرت العريش إلي رفح الفلسطينية في «التجارية» وهي قطار صغير عبارة عن عربة واحدة.
ووصلت رفح المصرية.. لم أجد ما يوصلني إلي رفح الفلسطينية سوي عربة كارو، وفي المساء لم أجد أي وسيلة مواصلات إلي غزة فبت في فندق متواضع، وفي اليوم التالي وصلت إلي غزة ووصلتها يوم يونيو، وقدمت نفسي لسكرتير عام المحافظة وذهبت لزيارة الزملاء في جريدة اخبار فلسطين، وهم صحفيون لهم علاقة بأخبار اليوم، وقابلت مراسل الأهرام في غزة ونزلت في فندق الشاطيء علي شاطيء الرمال في غزة.. وصحوت صباح يونيو علي ضجة شديدة .. فقد كانت الطائرات الإسرائيلية قد عبرت إلي الأراضي المصرية وهي عائدة اسقط موقع مدافع مضادة للطائرات اسمه موقع الأزهر أحد هذه الطائرات، ذهبت جموع الناس وأنا بينهم ونزلنا في قوارب لالتقاط  طيار إسرائيلي الذي كان علي مسافة - مترا من الشاطيء وخرجت غزة كلها تصفق وتهتف أثناء عودة الطيار وعملت حوارا مع الطيار وصورته وطلب مني ضابط المخابرات علي الشاطيء الفيلم.. ورفضت اعطاءه له.
وقلت أنني سأرسل الفيلم إلي مصر.. وذهبت إلي موقف سيارات القاهرة غزة وعرفت أن الطريق تم إغلاقه وذهبت إلي مكتب البريد لعمل تلغراف بما حدث، فوجدت المكتب مغلقا وذهبت للبحث عن تليفون في أي مكان فلم أجد، وفي أخبار فلسطين وجدت الزملاء هناك وبعضهم كان يتحدث العبرية قالوا لي إن راديو إسرائيل يقول : إن القوات الإسرائيلية تتقدم بأقصي سرعة تجاه القناة. -
·       رغم أنكم في غزة ألم تروا هذه القوات أو تحسوا بها؟
الإسرائيليون سدوا الطرق الرئيسية ومضوا إلي العريش وضفة القناة .. ورحت افتش عن المسئولين في غزة الحاكم العسكري وكان يقال له المحافظ وسكرتير عام المحافظة، وإذا الجميع اختفي كما تذوب قطعة الثلج وأنا فقط وحدي في الشارع الخالي تماما.لم يكن أمامي سوي العودة للفندق.. ولم يكن به سواي ومجموعة من شيوخ الأزهر قادمون من القاهرة إلي فرع جامعة الأزهر بغزة لمراقبة امتحانات الطلبة وتصحيح الأوراق .. مر يوما و يونيو لم نر جندياً إسرائيلياً ونزلت اتحسس الطريق ووجدت القوات الإسرائيلية تحيط بمبني الحاكم العسكري الذي كان يوقع وثيقة مع قائد القوات الإسرائيلية وأعلنوا أن القوات الإسرائيلية ستمشط غزة حيا حيا، وعلي كل الشباب بين و سنة النزول إلي الشارع وتقديم أنفسهم.. وفجأة دخل فوج مدرع غزة دخولا فظيعا مرعبا .. دبابات «باتون» تضرب قذائف في وسط الشارع والجنود في المركبات يرشون النوافذ ومداخل البيوت بالرصاص، وتمركزت نقطة مسلحة أمام الفندق ..
وانحشرت مع مشايخ الأزهر في الممر الضيق بين صالة الفندق ودورات المياه كتلة لحم واحدة
نصرخ ونصيح يارب يارب، وطلقات الرصاص ترتد أمامنا في الحائط والزجاج ينهمر علينا..
واستمر هذا الاستعراض الفظيع.
أكثر من ساعة .. اختفي صاحب الفندق وجن العاملون في الفندق في سيناء ومشايخنا يتسألون اين صواريخكم أين قواتكم وأصبح همهم هو التخلص منا قبل دخول القوات الإسرائيلية لتمشيط الحي، وأصبحت المدينة خالية إلا من الزعران واللصوص الذين خرجوا لنهب المحلات وطابور طويل منهم عائد من غزة، بما يحملونه من الميناء إلي داخل المدينة، والقوات الإسرائيلية لا تتعرض لهم، ولكن بعض أصحاب الدكاكين تعرضوا لهم بالرصاص لأبعادهم عن محالهم.
طريق العودة
 وقال لي أحد العاملين في الفندق إن مركبا شراعيا وله موتور علي الشاطيء سيبحر إلي مصر في المساء لاحراز النصر وكان عمدة الشاطيء له زوجة بورسعيدية وهو نازل إلي زوجته في مصر هربا مما يجري.. وتسرب الخبر عند الناس.وعلي الشاطيء رأيت حجرة خشبية تستخدم كمخزن للصيادين فتحتها ووجدت بداخلها سكرتير عام المحافظة ومدير المخابرات وضباط الأمن الكل مختبيء في الحجرة تمهيدا لركوب المركب، وعندما بدأت المركب في الحركة أصيب صاحب المركب عمدة الشاطيء بجنون وأخذ يدفع الناس بالمجداف حتي يستقلوا المركب، وكان مشهدا مفزعا لناس تلقي علي الأرض وفي المياه، وتحركت المركب بجوار الشاطيء وعلي متنها نحو ستين شخصا .. وكانت تجر قاربا صغيرا، ودخل الحبل الذي يربطه بالمركب الأكبر اسفل المروحة وانقطع وغرق من غرق من ركاب المركب الصغير، والذي أصر صاحب المركب علي عدم العودة بالركاب .. واستطاع ضابط فلسطيني شاب أن يسيطر علي صاحب المركب ويهدئه ويمسك هو بزمام الأمور.
كان المشهد مفزعا والمركب يسير بمحاذاة الشاطيء .. مواقع محترقة طابور علي مد البصر من الجنود والضباط العائدين سيرا علي الأقدام وسط المواقع والمعدات المحترقة.. والجثث والآليات المبعثرة في الصحراء .. وسحابة دخان تغطي شرق المتوسط بأكمله، وأسراب الطائرات الإسرائيلية عائدة من ضرب مصر، تلحظنا في البحر ولا تلتفت إلينا إلي أن وصلنا بورسعيد  فجر يونيو بعد حوالي ساعة في البحر، وكان الخوف أن يكون الميناء ملغما، ولكنه لم يكن، وسمح لنا خفر السواحل بالدخول عندما عرفوا أن معنا شخصيات أمنية .. وكان كل من يدخل يستجوب ويتحفظ عليه حتي يثبت شخصيته وتعرف علي محافظ بور سعيد وقتها أحمد طولون وطلبت الأفراج عني وذهبت إلي مكتب الأهرام ووجدته مغلقا، ووجدت سيارة التوزيع وتعرف علي السائق وأخذني معه، وفي الطريق وجدنا الطائرات الإسرائيلية تضرب كل سيارات النقل والأتوبيسات التي تحمل مؤن الشاي والسكر التي أخرجها المصريون من ميناء بور سعيد حتي إلي ما بعد مدينة الزقازيق .. ودخلت السيارة إلي مدينة الإسماعيلية للعودة بالمرتجع وهناك شاهدت القوات المنسحبة وهي تختبيء بمعداتها في شوارع المدينة .
وصلت إلي الأهرام في المساء لم يكن الأستاذ هيكل موجوداً.. الأهراميون غاضبون.. ومجموعة من رجال عامر جاءوا ليستفسروا هل سيصدر الأهرام في اليوم التالي أم لا .. وهل سيحمل خبر تنحية المشير عامر مع عبدالناصر .. كانت حالة فوضي مستولية علي مصر كلها حتي خرجت مظاهرات التاسعة مساء.
الخلاف مع هيكل
وعندما أتيح لي أن أقرأ تقرير حسن البدري الذي كتبت بضمير يقظ ثم أتيح لي أن أجلس مع اللواء حسن فسر لي الكثير مما شهداته في هذه المرحلة ، فقد أثبت التقرير غياب معدلات الأداء في الجيش .. أن الفوضي التي سادت عمليات حشد الاحتياطي وتسليحه، وعدم الاستعداد في الفرقة الرابعة المدرعة المعدة لدخول إسرائيل ثم الانتشار الشديد لمواقع الجيش علي امتداد مساحات واسعة من سيناء فأصبح اختراقها سهلاً بطابور مدرع وحتي الاحتياطي بوضعه وقلة تسليحه فقد إمكانية أن يكون درعا واقيا للقوات المتقدمة.
ثم أثرت رؤيتي للهزيمة علي مجمل موقفي من ثورة يوليو ومن النظام حتي إنني اختلفت مع الأستاذ هيكل عندما صك تعبيره النكسة في حوار علني في الأهرام وقلت له الأمر يتجاوز كثيرا أن يكون نكسة ، الأمر هزيمة للنظام ابتداء من رأسه الممثل في الرئيس عبد الناصر إلي كل الذين شاركوا فية .
·       ما مناسبة هذا الحوار بينكم وبين الأستاذ هيكل؟
كان الحوار في إطار الجماعة القيادية وهي شيء يشبه التنظيم النقابي في المؤسسات الصحفية.. وهو تنظيم شرعي واسع وعلني وهي تتبع شعبه عابدين للاتحاد الاشتراكي وكان رئيس هذه الجماعة الذي يفتش علي أعمالها ليس الأستاذ هيكل ولكنه أمين الاتحاد الاشتراكي في عابدين وكان موظفا في بنك القاهرة، وفي إطار هذه الجماعة جاء الحوار أثناء مناقشة أسباب الهزيمة كان الاتحاد الاشتراكي يحاول استيعاب غضب أعضائه ويقول إن الوقت لم يفت ومازال في جعبة عبدالناصر الكثير، الهزيمة لم تتحقق وخسارة معركة لا تعني أن الحرب انتهت .
·   سيناريو خروج الناس ليلة يونيو مازال هناك اختلاف حوله هل هو خروج منظم من حشود الاتحاد الاشتراكي أم خروج تلقائي للناس بمجرد اسماعهم نبأ تنحي عبدالناصر ما شهادتك علي هذا اليوم؟
كان يمكن أن يكون فيه جزء منظم لكن الجانب الكبير منه كان عفويا، فالمصريون كانوا عيال علي الثورة .. عبدالناصر هو الذي يوظفهم وهو الذي يعطيهم الأمن صحيح هو يسلبهم إرادتهم السياسية أو علي الأقل يتكلم بأسمهم أو يدعي أنه الوصي عليهم أو المكلف بأمنهم وحمايتهم وكان الخروج من الناس معناه إلي أين تذهب وتتركنا، تترك ما حدث كان الخروج فيه نوع من الغضب.. والانزعاج وفقدان الأب كان مزيجا من هذا كله.والخروج تلقائي لأنه حدث في كل أرجاء مصر في القاهرة والمحافظات والقري في نفس التوقيت.
عودة الوعي
·       كيف انعكست آثار الهزيمة علي وسائل الإعلام وقتها؟
 حدثت صيحة ضمير في البداية حتي وصلت القوات المسلحة في التقريرين اللذين كشفا اسباب الهزيمة ثانيا شعر النظام إنه لابد من رفع الغطاء عن الإناء المحكم لخروج بخار الغضب الجماهيري فتوسعت مساحات الحرية فرأينا مسرح الفريد فرج وغيره من المسارح الناقدة الشديدة وكتب نجيب محفوظ أهم رواياته الناقدة أيضا وفي هذه الفترة كتب د. جمال العطيفي سلسلة مقالاته الشهيرة حول ضرورة تقنين الثورة وكتب هيكل مقالاته عن زوار الفجر.. حدث نوع من التفتيش الداخلي عن أسباب المرض وقام الأهرام بدور كبير شاركت فيه. كانت المشكلة هي فقد المصريين الثقة بأنفسهم وقدراتهم فكلفني هيكل بعمل سلسلة من الموضوعات مع علماء الآثار المصريين يرأسهم د. عبدالمنعم أبو بكر لتعين استنطاق تاريخ مصر بما يوحي للمصريين بأن هناك جذورا وأصولا وأن الشخصية المصرية لم تضع وعلينا أن نستيعد الثقة بأنفسنا وكتب ثلاثة وعشرين مقالا مستوحي من تاريخ مصر الفرعوني وتاريخ مصر الوسيط لتعيد للناس الثقة بتاريخها بالشخصية المصرية.. وفي هذه الفترة كتب يوسف إدريس أهم مقالاته السياسية .. وخرجت المظاهرات للشوارع وانتقدت عبدالناصر وحثته علي أن يري ما يحدث وكان الشعار اصحي يا عبدالناصر .. خاصة بعد محاكمات قادة الطيران .. في هذه الفترة أيضا تكشفت طبيعة العلاقة المرضية بين عبدالناصر والمشير عامر.
·   الي متي  استمرت الانفراجة الإعلامية والثقافية خاصة أن سنوات ما بعد يونيو شهدت أزمات رقابية علي الإبداع؟
عبد الناصر تقدم ببيان مارس وتصورت الناس أن كل شيء يتغير من أعماقه وجذوره، وأن النظام استوعب درس النكسة ولكن اعتقد أن عملية الإصلاح مضت ببطء، وظل الوضع القائم كما هو، وظلت المجموعة القريبة هي هي لم تتغير، فخفت حماس الناس للإصلاح حتي جاء الرئيس أنور السادات ووسع الحرية عندما تحدث عن الحياة الحزبية بالمنابر أولا، وألغي الرقابة علي الصحف وإفراجه عن الإخوان المسلمين .. وكان هذا كله يكاد يكون مسيرة متصلة درسها المستفاد الأول، هو أنك لا تستطيع أن تحكم البلد بنفس المعايير ما قبل عام ، وأعتقد أن المنحني ما زال مستمرا حتي الآن، فالناس تكسب المزيد من الحريات والسلطة هي التي يقل حجمها .. فالرأي العام والناس كفته الأرجح، فالحكومة زمان كانت «تتعنطز» علي الناس الآن هناك اعتراف برأي عام يعمل حسابه ويوضع في الاعتبار هناك خوف من اتخاذ أي قرارات تتعلق بالخبز أو الرواتب أو الغلاء، وكلها حسابات لم تكن توضع في الاعتبار، والناس زاد اجتراؤها علي الحقيقة منذ حتي الآن بعد ما عرف الناس أن النظام لم يثبت قدرته علي مواجهة التحديات التي واجهها، خاصة أنه قدم صورته بأنه يملك أهم قوات مسلحة في المنطقة وأن النصر قادم لا ريب فيه. .
·       البعض يري أن ما حدث في من شحن في وسائل الإعلام لم يكن غرضه إعلان الحرب علي إسرائيل، ولكنها طريقة عبدالناصر في اتباع سياسة الحافة والوصول بالأمور إلي حد الأزمة ضغطا علي الطرف الآخر قبل قبول التسوية تحقيقا لأهداف ومكاسب تفاوضية ..
الغربيون هم الذين اعتبروا أنها كانت مغامرة من عبدالناصر لم يحسن فيها حساب أرصدته بشكل جيد، وهذا صحيح لدرجة أن ديان عندما شاهد أوضاع القوات المصرية في سيناء دخل علي جولدا مائير يطلب منها إصدار أمر بالحرب فورا، وإن لم تصدر هذا الأمر فسيخلع رتبته العسكرية وسيترك الجيش لأن أوضاع قواتنا أوحت لهم بضرورة توجيه ضربة لها .. مجرد طابور مدرع اخترق هذه الستارة الخفيفة من القوات المنتشرة علي مساحات كبيرة وصل إلي شط القناة في ست ساعات، هذا خطأ في الاستراتيجية والتخطيط باستثناء بعض المعارك الصغيرة في بعض المواقع، فإن الجيش الإسرائيلي كان يتقدم بأقصي سرعة
·       هل مات عبدالناصر سياسيا بعد النكسة كما قال البعض؟-
الذي قال هذا الكلام هو حسين الشافعي وأعتقد أن الهزيمة أثرت في نفسه كثيرا ودمرت كبرياءه، لكن لا نستطيع أن نغمط حقه عندما اختار محمد فوزي بالذات لإعادة بناء الجيش وهو ضابط منضبط وإصراره علي الدخول في معارك اختبار وصلت إلي حد عبور كتيبة كاملة للقناة وسيطر علي موقع في الضفة الأخري لساعات، ثم تدميره للمدمرة إبراهيم التي أخذت منا بصاروخ بحري.. والعمليات التي بدأت برأس العش تؤكد أن عبدالناصر بذل جهدا كبيرا، لإعادة بناء القوات المسلحة وزياراته المتعددة للمواقع الأمامية، وإذا كان هو شخصيا أحد عوامل الهزيمة بتركه الجيش مطمئنا إلي حسن قيادته وتنظيمه بقيادة صديقه عبدالحكيم عامر في ثقة مفرطة في هذا الصديق، فعلي الأقل فإن عملية إعادة بناء الجيش اتبع فيها الأسلوب العلمي والكفاءة قبل الثقة وأعتقد أنه من بداية عملية رأس العش حتي حرب أكتوبر سلسلة متصاعدة من عمليات تنظيم واختبار وتمكين الجيش من مزيد من القوة وصولا إلي عملية العبور.
·       ما هي  الدروس المستفادة من هزيمة يونيو بعد كل هذة السنوات ؟
لقد ناقشت الكثير من العسكريين فيما حدث في منهم المشير عبدالحليم أبو غزالة والمشير طنطاوي والمشير محمد عبدالغني الجمسي والفريق سعد الشاذلي وأجمعوا كلهم أن الدرس كان قاسيا جدا للقوات المسلحة التي كان أفرادها نجوما يلقون التقدير والفخار والاحترام الزائد، فجأة
وجدوا أنفسهم تحت تقريع ونقد الشارع المصري وكان لهذا أثره الكبير في أكتوبر حيث انعكست الصورة في التنظيم الدقيق وتحويل العملية العسكرية إلي سيمفونية متكاملة مترابطة .. التغير الذي طرأ في العلاقة بين الضابط والجندي .. كسب ثقة أصحاب المؤهلات ليكونوا جنودا ليستخدموا الأسلحة التكنولوجية والعدد المتزايد من قتلي الضباط عن ضباط يونيو .. ونسب الأداء العالية لكل معدة من معدات الجيش.. ودخول الجانب العلمي والتكنولوجي في أداء الأسلحة والمقاتلين، كان هذا أحد أهم دروس .والتي فشلنا حتي الآن في نقلها إلي حياتنا المدنية .. ولكن أهم درس في نظري هو أن الحرية هي أغلي ما تملك الشعوب، وأنك لا تستطيع أن تطعمني وتوظفني وتكمم فمى لان هذا لايصنع المجتمعات القوية.
نشر بجريدة القاهره يونيو 2007 فى الذكرى الاربعين للنكسه 

عود كبريت هاله سرحان

عادت هاله سرحان  الى الساحه الاعلاميه بقناة ملاكى (روتانا مصر), وهى احدى القنوات التى تتبع مملكة الامير الوليد بن طلال الاعلاميه, عادت هاله بزفه بلدى فى المطار, وزفه اعلاميه فى اعلانات الشوارع وبروموهات القناه الجديده , البروموهات عبارة عن مونتاج لجمل وعبارات من حلقات برنامج (هاله شو) , الذى كان يذاع على قناة( روتانا سنيما) قبل هروبها من مصر عام 2006 , ,الجمل مقتطعه على طريقة ( لاتقربوا الصلاة), لتظهر هاله بمظهر المدافعة الاولى عن الحرية والديمقراطيه ومحاربة فساد نظام مبارك ورجاله , على غير الحقيقة طبعا ,حلقات برنامج (هاله شو) كانت اقرب الى جلسات الحظ والفرفشة حيث تختلط الضحكات العاليه للسيدة مقدمة البرنامج و ضحكات ضيفاتها وضيوفها مع فقرا ت الرقص والغناء والاستعراض , وهم يناقشون قضايا من عينة اهم افلام الموسم السنيمائي , وفتوى رضاعة الكبير , وانتشار الدعارة بين بنات مصر , وهى الحلقه التى تسببت فى هروب هاله الى خارج البلاد , بعدما استأجرت عددا من البنات الاتى عادة ما يصفقن ويرقصن فى الحلقات للاعتراف امام الكاميرات انهن يعملن كعاهرات , وبعدما املتهن ما يجب ان يقلنه  , مع وعود لهن بعدم ظهور وجوههن  , او الكشف عن شخصياتهن , وهو مالم يحدث عند اذاعة الحلقة , مما دفعهن لابلاغ  النيابه ضدها , وحاولت هاله لم الفضيحة بشتى الطرق , خاصة والفتيات خضعن لكشف طبى بارادتهن لاثبات عذريتهن , فاتهمت الفتيات بممارسة الجنس بطرق لاتفقدهن العذرية , ووصل الحوار بين الاعلاميه المشهوره والفتيات  الى مستوى غير مسبوق من التدنى , وهربت السيده هاله من القاهره بليل  واعتصمت فى دبى  حيث مقر شركات الامير , الذى تناثرت الشائعات حول انه يحاول الوصول الى اتفاق مع مبارك  وحكومته لتعود هاله لممارسة عملها من القاهره , وحرص الامير على ان يثنى عليها فى المؤتمرات الصحفيه التى كان يعقدها فى اطار جهود تسوية مشكلتهة فى عقد تخصيص ارض توشكى قبل ثورة 25 يناير , ولكن القاهره وقتها  يبدو انها رفضت فكرة عودتها بسبب ماضيها الطويل مع الفضائح الاعلامية , فقد سبق لها ان طردت من قناة (دريم ) المصرية بعدما قدمت حلقة عن (العادة السرية عند المصريات), يومها قامت الدنيا ولم تقعد ليس فقط بسبب جرأة ما قيل , ولكن لأن المتحدثات ثبت بعد ذلك انهن كومبارس يمثلن فى السنيما ولسن كما قدمتهن الست هاله فى الحلفه كمصريات عاديات ,وعندما انتقلت الست هاله الى قنوات art لصاحبها الشيخ صالح كامل  اضطر الى التخلص منها مرة اخرى لرقصا على الهواء مباشرة مع ضيوف برنامجها بشكل غير لائق او محترم .
القضية اذن فى الست هاله  وليست فى مبارك وعائلته ونظامه , وهم باتلمناسبه لايستحقون الدفاع عنهم , لكن المشكلة هى الست هاله مدمنة الكذب الاعلامى , وقد خرجت علينا فى اولى حلقاتها مدعية البطولة , لتقول انها شهيدة دفاعها عن الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد والاحتكار , ونسيت ان تعتذر لجمهور حلقتها وللمصريين عموما عن اكاذيبها وتلفيقها الاعلامى  وتدليسها , وتشويه سمعة بلدها وبناتها ونسائها فى قناة سعودية , ولو كانت السيده هاله عضوة  فى نقابة محترمه للاعلاميين لفقدت عضويتها فيها , ولفقدت معها ترخيص مزاولة مهنة المذيعة التليفزيونية للابد , ولكن هذه النقابه لم تكن موجوده , كما وان ةالسيده هاله وراءها نفوذ ونقود امير ملكى سعودى , لذلك هى غير مهتمه بالحفاظ على اغلى ما يملكه اى اعلامى , وهو مصداقيته عند جمهوره وشرفه المهنى ,الذى هو مثل عود الكبريت .
نشرت بمجلة المصور 15-6-2011