Translate

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

نحن ضد الرقابة ولكن يجب منع عرض فيلم (الخروج. . آلهة وملوك)



                                            لقطة من فيلم (الخروج . . آلهة وملوك)

قامت الدنيا ولم تقعد على وزير الثقافة د. جابر عصفور لأنه قرر منع عرض فيلم (سفر الخروج: ملوك وآلهة فى مصر), الحجج التقليدية فى مهاجمة الوزير كانت أنه يتصدى لمنع عرض الفيلم ليجنب الأزهر الحرج بعدما وقع صداماً بينه وبين المؤسسة الدينية, عندما رفض الأزهر فيلم (نوح) لأنه يجسد شخصية نبى والأزهر يحريم تجسيد الأنبياء, فى الوقت الذى صرح وزير الثقافة فيه أنه لايجب أن يكون للمؤسسة الدينية دخل فى تقييم الإبداع.
ولكن هذه المرة الأمر مختلف فبغض النظر عن أن الفيلم يظهر الذات الإلهية فى صورة طفل, وهو مالايتناسب وجلالها وقدسيتها, ومالا يتفق و فطرة أى مؤمن بأى دين سماوى ويجعله يتخذ موقفاً سلبياً من الفيلم حتى قبل أن يراه, ويطالب بمنعه لما فيه من إستفزاز للمشاعر الدينية لكل معتنقى الديانات السماوية, ولكن هذه ليست هى القضية أيضاً مع أهميتها.
نعرف أن المنع وسيلة لم تعد مجدية فى الحد من إنتشار أى عمل فنى أو أدبى يحظر تداوله العام بعد وجود الإنترنت والقنوات الفضائية والتى تصعب على اى سلطات محلية التحكم فى المحتوى الذى تنشرة, ومع ذلك يبقى منع هذا الفيلم من العرض العام فى مصر نوعاً من إتخاذ المواقف الإيجابية ضد من يستهين بتاريخنا ويحاول تزويره وترسيخ هذا التزوير فى الثقافة العالمية.
الفيلم يتبنى وجهة النظر الصهيونية والتى تقول أن اليهود هم من بنى الأهرامات, وهو نفس ماردده رئيس وزراء إسرائيل فى حفل توقيع إتفاقية (كامب ديفيد) 1977م عندما قال فى كلمته أمام السادات وكارتر "أن جهود الرئيس الأمريكى للتوصل لهذا الإتفاق تفوق ما بذله اسلافه  اليهود من جهد فى بناء الأهرامات" ولم يرد السادات سوى بقههة عالية وسط تصفيق الحضور من الوفدين المصرى والإسرائيلى, وقد وجدت بعد ذلك بسنوات كثيرة الكشوف الأثرية مساكن العمال الذين بنوا الأهرامات وأثبتت أنهم مصريون.
ويتبنى الفيلم كذلك وجهة النظر الصهيونية التوراتية التى ترى أن الفرعون الذى إستعبد اليهود فى مصر هو الملك رمسيس الثانى أحد أعظم حكام مصر, وصاحب اطول فترة حكم فى التاريخ البشرى كله حوالى 65 سنة, وصاحب أحد اكبر الإنتصارات العسكرية على الحوثيين, وصاحب المعابد الضخمة التى تدل على شكل الحياة ومدى تقدمها فى عصره, وصاحب أشهر مومياء فى العالم كله والذى تقف مسلته التى أهداها محمد على باشا لفرنسا شامخة فى ميدان الكونكورد فى باريس.
والخروج من مصر موجودة  فى (الهاجاداه) وهى مجموعة الصلوات والأدعية والمزامير والتى يرددونها في أول ليالى عيد الفصح اليهوديّ: "عبيدًا كُنّا لفرعون في مصر، وأخرجنا الربّ إلهنا من هناك بيدٍ قويّة وذراع ممدودة, ولو لَم يُخرج القدوس آباءنا من مصر، لكنّا لا نزال نحن وأبناؤنا وأحفادنا عبيدًا في مصر"



والهوس الإسرائيلى بالملك رمسيس الثانى ظهر للعلن فى منتصف السبعينات عندما قامت حملة فى الصحافة الفرنسية تطالب بتضافرالجهود لحماية مومياواه من التلف الذى يهددها, واعلنت الحكومة الفرنسية إستعدادها لعلاج المومياء على اراضيها, وبعد سفر المومياء نقلت الصحافة العالمية زيارة موشى ديان له وتفاخره بأن الفرعون خرج من مصر كما أخرج اليهود منها, وثبت بعد ذلك ان الغرض الأساسى من خروج المومياء من مصر كان محاولة إثبات أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج.
بعد شهور قليلة من توقيع إتفاقية السلام 1997م تقدمت مؤسسة الإستديوهات المتحدة فى إسرائيل إلى السلطات المصرية عن طريق مكتب رئيس وزراء إسرائيل بمذكرة تطلب فيها التعاون فى إنتاج فيلم (خطوات على طريق الهجرة الجماعية) ويقول ملخصة " فى الزمن القديم من حوالى 4000 سنة كانت توجد علاقات طيبة بين عائلات اليهود من فلسطين ومصر, وأثناء الجفاف كان اليهود يذهبون إلى مصر طالبين الطعام, ومع الوقت عاش اليهود فى الجزء الشرقى من البلاد المسمى جوشين, وأصبح يوسف أحد اهم الوزراء المصريين, وبعد مئات السنين وكان الحاكم هو رمسيس الثانى قامت حرب بين مصر ومملكة الحيثيين, وكانت نفقات الحرب باهظة مما اثقل كاهل الناس بالضرائب والتى وقع أغلبها على اليهود فقرروا الرحيل عن مصر والعودة إلى أرض كنعان مع قائدهم موسى, والذى تربى فى قصر الفرعون والذى يقود اليهود فى رحلتهم عبر صحراء سيناء وعلى أحد جبالها يتلقى التوراة." وقتها رفض رئيس هيئة الآثار د. شحاته آدم المشروع وقال أن العلماء الذين إعتمدوا فى بحوثهم على إثبات ما فى التوراة أثبتت الكشوف الأثرية خطئهم, كما أن هذا الفيلم سيتناول فرعون موسى والإسرائيليون يعتقدون أنه رمسيس الثانى وهو خطأ لم يثبت صحته.
وإذا كنا مع إلغاء الرقابة على الإبداع وترك الحكم على العمل الفنى للمتلقى إلا اننا فى هذه الحالة مع منع هذا الفيلم, فإذا كانت إسرائيل تمنع اعمال الموسيقى ريتشارد فاجنر من العزف فى اراضيها لمجرد ان عدوهم هتلر كان يسمع اعماله ويحبها, فكيف نسمح نحن بعرض ما يشوه تاريخنا والذى نفخر به على الإنسانية كلها.

الأحد، 21 ديسمبر 2014

مستعد أموت لأسمع ما أكرهه

مشوار طويل قطعته الإنسانية لتفهم معنى حرية التعبير, ولتدرك اهمية فتح الأبواب والنوافذ أمام الرأى الآخر مهما كرهناه او تصورناه تافها أوبغيضاً, لأنه ربما كان هو الصوت الوحيد الذى سيغير العالم كله.
يذكر التاريخ أن سقراط فى سنه 399ق.م خير بين تنفيذ حكماً بإعدامه, وبين قضاء بقية حياته فى الإهتمام بشئون نفسه, وتجنب إثارة الجدل بين الناس, بعدما أتهم بإفساد الشباب, والتحريض على ديمقراطية أثينا, قرر سقراط وقتها أن شرب السم أهون عليه من هذا النوع من الحياة.
بعد مئات السنين تكرر الأمر مع جاليليو جاليلى( 1564- 1642م), عندما إكتشف أن الأرض تدور حول الشمس, فحاكمته كنيسة روما الكاثوليكية عام ( 1623م) لأن ما يقوله يخالف معتقدات رجالها بأن الأرض هى محور الكون, وفرضت عليه إما الإعدام أوالتراجع عن أفكاره علناً, إختار التراجع, فوضع تحت الإقامة الجبرية فى بيته, ومنع من مناقشة أفكاره حتى توفى, ولم تعد الكنيسة له إعتباره الإ فى عام   2008 بمناسبة مرور 400 عام على إختراعه التليسكوب.
من مثل هذه التجارب تبلور الفكر الليبرالى عن حرية التعبير وأهميتها للفرد وللمجتمع وللإنسانية كلها, فيقول الفيلسوف السياسى جون ستيوارت مل (1806-1873م)  فى كتابه (عن الحرية) " لو إجتمع البشر جميعاً على رأى وخالفهم فى هذا الرأى فرد واحد ماكان لهم أن يسكتوه, بنفس القدر الذى لايجيز له إسكاتهم لو كانت له القوة والسلطة".
وحجة جون إستيوارت فى ذلك هى  أننا إذا أسكتنا صوتاً واحداً فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة, كما وأن أى شخص يسكت شخصاً آخر لأنه يرى أن أراءه خطأً, هو شخص يعتقد فى نفسه العصمه, وهو شئ يتناقض مع الطبيعة البشرية, فجاليليو كان محقاً عندما قال أن الأرض تدور حول الشمس عام 1633م بينما بابا روما الذى أسكته كان هو المخطئ.
وإيماناً من الدول بحق أفرادها  فى التعبير عن أرائهم, ولحماية هذا الحق من عصف السلطات والحكومات المختلفه التى لن يعجبها تعرض سياساتها وأفرادها للإنتقاد جاء التعديل الأول فى دستور الولايات المتحده الأمريكية 1791م , والذى ينص على " لايصدر الكونجرس أى قانون يحد من حرية التعبير أو الصحافة, أو من حق الناس فى الإجتماع سلمياً, أو مطالبتهم الحكومة إنصافهم من الإجحاف".
لقد أصبح حق التعبيرضرورة مهمة لفعالية الديمقراطية, فلكى يستطيع المواطنون إتخاذ القرارات الصائبة, يكونوا محتاجين إلى التعرض إلى كم كبير من الأفكار والآراء, وحرية التعبير هى التى تسمح لهم بالتعرض لكم من الأفكار والآراء من أشخاص مؤمنون بها, كما وأن القوانين والسياسات لاتكون شرعية إلا إذا طبقت من خلال عملية ديمقراطية, ولا تكون العملية ديمقراطية إذا منعت الحكومة شخصاً من التعبير عن معتقداته بشأن ما يجب أن تكون علية هذه القوانين والسياسات.
ثم جاء الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعلنته الأمم المتحده سنة 1948م وفى مادته رقم(19) ليؤكد هذا الحق لكل البشر على سطح الأرض, وليلغى أى وصاية يمكن أن تفرضها سلطة حاكمة او ديكتاتور على الناس, وقال "لكل إنسان الحق فى حرية التعبير, ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء دون أى تدخل, وإستقاء الأنباء وتلقيها وإذاعتها بأى وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
لم يعد من حق أى شخص أو جهة أو سلطة فرض ما تراه صواباً على شخص بالغ, وأصبح لكل بالغ عاقل حق تقرير أسلوب حياته, وأفكاره ومعتقداته, بل وحرية إرتكاب الأخطاء, فالإنسان يتعلم من أخطاءه أيضاً.
لقد بات راسخاً أن تقييد حرية التعبير فى المجتمعات الديمقراطية, وهى تشمل التظاهر والإحتجاج السلمى, بكافة أشكاله, أو حرية الفرد فى إبداء رأيه والإستماع إلى ارآء الاخرين يعنى إنتهاكاً لإستقلالية الإنسان وكرامته, وإحترامه كفرد عاقل قادر على التفكير وإتخاذ قراراته بنفسه.
لذلك أصبح من مبادئ الديمقراطية والليبرالية الراسخة هى عدم منع رأى لمجرد أننا نراه تافهاً أو بغيضاً أو حتى مسئ, أو لأنه لايعجبنا, فلامعنى للديمقراطية إذا كنا نعنى بحرية التعبير, حرية التعبير لمن يتفق معنا فى الأرآء فقط, وتحمى الدول هذا الحق للمعارضين حتى حتى لا تنزلق فى منحدر الإستبداد والديكتاتورية بزيادة الممنوعات والمحظورات فى ممارسته,  و الضابط  الأكبر والأهم لتقييد حرية التعبير والإحتجاج هو منع التحريض على العنف, والحض على الكراهية, فحرية التعبير والإحتجاج تتوقف عندما تخرج عن سلميتها وتهدد سلامة وأمن وحياة الآخرين.
وقديماً قال فولتير(1694- 1778م) " أكره ما تقول ولكننى سأدافع حتى الموت عن حقك فى أن تقوله







هيبة الدولة

الكل يتحدث عن هيبة الدولة وضرورة إستعادته, رئيس الوزراء ناقشها فى اول إجتماعات حكومته, والتليفزيونات نقلت صوراً للمحافظين ومديروا الأمن وهم يقودون حملات إزلة التعديات على أراضى الدولة وإشغالات الباعة الجائلين إستعادة لهيبة الدولة, والمثقفون والسياسيون والمواطنون الكل يريد إستعادة هيبة الدولة.
فماهى هيبة الدولة؟
الهَيْبَةُ من المهابة، وهي الإجلال والمخافة والتعظيم، وهاب فلان حذره وخافه, فهيبة الدولة هنا هى الإحساس بالتهيب الذى تبثه الدولة في نفوس أبناء الشعب فيردعهم ويمنعهم من تحديها أو انتهاك نظامها، لإقتناعهم بأنهم إن فعلوا فسيلقون عقابا رادعا.
ولكن هذا لايعنى أن تكون الدولة قمعية بوليسية تسلطية, نعم الدولة هى صاحبة الحق الحصرى فى إستخدام القوة والعنف فى المجتمع, ولكنه العنف المنظم والذى يتم فى إطار القانون لضبط حركة المجتمع وتنظيمها وتحقيق مصالح وغايات غالبية أبناء هذا المجتمع, وفى هذه الحالة يكون الخوف من الدولة فقط للخارجين على القانون والمهددين لكيان الدولة ولحقوق أفرادها فى الحياة الحرة الكريمة.
فى الأنظمة القمعية يشعر المواطن بالخوف والرعب من الدولة وأجهزتها لأن الدولة فى هذه الحالة قوة غاشمة باطشة تنتهك الحريات والحرمات, فيهان المواطن ويذل وفى أحيان كثيرة يموت بلا جريرة سوى تسلط أجهزة الدولة لإشاعة الخوف حماية لأصحاب النفوذ والسلطة ومحتكرى الوطن ومقدراته, ومحتكرى صكوك الوطنية يعطونها أوينزعونها حسب أمزجتهم وأهوائهم ومصالحهم.
أما فى الأنظمة الديمقراطية  فالمواطن العادى لا يشعر بالخوف من الدولة فالعلاقة بينهما تبنى على الإحترام والتقدير المتبادل, فالدولة هنا تكون هى القوة العادلة التى تنتصر للمظلوم والتى تحمى الحقوق والأعراض والممتلكات, والمواطن هو صاحب الدولة ومقدراتها والذى تعمل كل أجهزتها ومؤسساتها لتحقيق مصالحه.
أذن كيف يمكن للدولة ان تستعيد هيبتها المفقودة؟
الخطوة الأولى هو بأن تستعيد هذه الدولة احترامها, والدولة المحترمة هى الدولة التى تحترم مواطنيها لأنهم هم أصحاب السلطة والثروة فيها, والمواطن المصانة كرامته وحريته وحرماته هو الذى يحترم دولته, اما المواطن المهان المنتهكة حريته وحرماته فهو قد يخاف من الدولة واجهزتها ولكنه بالتأكيد لن يحترم الدولة أو ممثلى مؤسساتها المختلفة.
هيبة الدولة الحقيقية تكون فى قدرتها على القيام بوظائفها كتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها من صحة وتعليم وأمن لأن غياب مثل هذه الخدمات يعنى غياب الدولة نفسها وليس مجرد هيبتها.
, والدولة تكون محترمة ومهابة كذلك عندما تصبح مؤسساستها وأجهزتها عامة غير محتكرة من قبل طائفة أو طبقة أو حزب أو تيار فكرى واحد, فهى دولة كل المصريين لاتميز بينهم بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو الطائفة أو التوجه الأيديولوجى, الكل مصريون متساوون فى الحقوق والواجبات.
هيبة الدولة تكون فى عدالتها فى توزيع وتوافر الفرص بين أبنائها فلا محاباة ولاكوسة ولامحسوبية ولاتوريث للوظائف والمناصب, ولا إحتكار لها من قبل عائلات أو طبقات بعينها فى المجتمع, فيمكن لإبن فلاح فقير متفوق ان يحقق حلمه بالعمل وكيلاً للنيابة او فى القضاء او فى السلك الديبلوماسى طالما هو كفء ومستحق لذلك.
هيبة الدولة تكون فى الفصل بين مختلف سلطاتها, فالدولة مجموعة من المؤسسات التى تعمل مستقلة عن بعضها فى إطار الدستور الذى ينظم العلاقة بينها وبحيث لا تطغى إحداها على الآخرين, فالدولة ليست شخص ولاحزب ولاجماعة.
فالدولة أكبر من رئيس الجمهورية ومن الحكومة ومن حزب الأغلبية ومن جماعات الضغط والمصالح, فرئيس الجمهورية أعلى موظف فى الجهاز الإدارى للدولة, والحكومة هى السلطة المنوط بها إدارة الدولة لتحقيق مصالح مواطنيها, وحزب الأغلبية هم ممثلوا الشعب المنتخبون المنوط بهم رقابة الحكومة ووضع التشريعات اللازمة لإدارة شئون البلاد, والكل يعملون فى خدمة الشعب ويخضعون لمشيئته ولمساءلته.
هيبة الدولة تكون فى سيادة القانون فيطبق على الجميع على الكبير قبل الصغير, من اول رئيس الجمهورية وحتى أصغر موظف فى الجهاز الإدارى للدولة, فالإستثناءات وتحول عملية تطبيق القانون الى عملية إنتقائية يفلت منها أصحاب النفوذ والمصالح والوسايط لاتضيع هيبة الدولة فقط وقدرتها على بسط نفوذها ولكنها تضيع الدولة نفسها.

هيبة الدولة مفهوم كبير لايجب إختصاره فى الحل الأمنى والتعامل العنيف مع بعض الضعفاء عديمى النفوذ ولايجب ان ننسى ان ثورات الربيع العربى التى إشتعلت فى تونس وإمتدت نيرانها لتحرق أنظمة الحكم المستبدة فى مصر وليبيا وسوريا واليمن كانت شرارتها الأولى هى صفع شرطية تونسية لمحمد البوعزيزى بائع الخضروات المتجول فى أحد أسواق مدينة سيدى بوزيد.

مسخرة الشيخ ميزو


خطيب التحرير لقب لاأحد يعلم من الذى أنعم به على محمد عبد الله نصر, الرجل ظهر فجأة فى إحدى مليونيات التحرير التى كانت مستمرة طوال عام 2012 أيام حكم المجلس العسكرى, وبعدما تحول مظهر شاهين إمام وخطيب مسجد عمر مكرم الذى يقع فى أحد أطراف ميدان التحرير إلى خطيب الثورة بحكم إعتلائة منصة التحرير والخطابة فى المتظاهرين, ثم تحوله إلى نجم إعلامى بحكم لقبه الجديد.
 ذهب محمد عبدالله نصر للبحث عن لقب يصنع له نجومية إعلامية شبيهة بنجومية مظهر شاهين فإعتلى المنصة بزيه الأزهرى وأخذ يخطب فى الناس, وللأسف تلقاه الإعلام الغير المهنى وإعلامييه قليلى الخبرة والمعرفة والباحثين عن الفرقعات الإعلامية الفارغة دون البحث فى خلفياته العلمية والتى تؤهله ليكون مصدراً لهم, لم يبحث احد فى مدى أهليته لما يتصدى له من قول أو فعل, وتحول محمد عبد الله نصر بفضل هؤلاء إلى نجم إعلامى ينقل عنه ما يقوله فى وسائل الإعلام سواء فى الدين أوالسياسة أوالشئون العامة.
ولأن الرجل يعلم ان الإعلام يبحث عن كل غريب وخارج عن المألوف أصبح يبتكر فيما يمكن أن يقدمه لآلة الإعلام الغير مهنية والتى لاتعرف غير الإثارة فرأيناه تارة يعلن تشكيلة تحالف أزهريون مع الدولة المدنية, ورغم أن أحداً لايعرف من أعضاء هذا التحلف فرداً غيره إلا أنه أخذ فى إصدار البيانات بإسم هذا التحالف والتى تنوعت بين مطالبة لرئيس الجمهورية بإعدام معارضيه السياسيين, وحتى المطالبة بعلاج الشيخ محمد عبدالله نفسه على نفقة الدولة من فيرس سى بعدما هدد بربط نفسة أسفل تمثال عمر مكرم بميدان التحرير إذا لم تنفذ مطالبه, ورغم أن أحداً لم يستجب لطلبه إلا أنه لم يربط نفسه تحت التمثال, ولكن فاز بتغطية إعلامية لما يقوله وأصبح الشيخ نجماً فحل ضيفاً أكثر من مرة فى برامج التليفزيون التى تبحث عن الفرقعات كبرامج المذيع اللبنانى طونى خليفة.
وشعر الشيخ بنجوميته فطالب رئيس الجمهورية بتعيينه مسئولاً عن هيئة الأوقاف ليقضى على عجز الموازنة وليمد الدولة ب500مليار جنية فى ثلاث شهور فقط, كما لم ينس ان يدعو رئيس الجمهورية من خلال المواقع الإلكترونية والصحف التى تنشر هذياناته الى حفل زواج إبنته


وبعدما أصبح الإنتماء لثورة 25 يناير أقل جاذبية سمى الشيخ نفسه خطيب ثورة 30 يونيو ليواكب التطورات وليجد لنفسه تسويقاً على الفضائيات ومواقع الأخبار الغير مهنية, وكان من اخريات إستعراضاته الإعلامية هو أداء صلاة المغرب فى المعبد اليهودى بشارع عدلى بوسط القاهرة أمام كاميرات الإعلام فى أحد ايام شهر رمضان الماضى, ثم كان تأنيبه لوزارة الداخلية فى صفحتة على الفيس بوك وذلك لمطاردتها الراقصة صافينار التى يرى إنها من الأشياء الجميلة فى مصر فهى رمز وقيمة.
ثم جاءت قنبلته المدوية عندما اعلن فى برنامج (90 دقيقة) على قناة (المحور) ان صحيح البخارى مسخرة للإسلام والمسلمين, كما إتهم خالد إبن الوليد بقتل رجل بجز رقبته وغليها فى قدر ثم زنى بزوجته, كما إتهم الأزهر بتدريس كتب تؤدى إلى التطرف الدينى, هنا فقط إستفاق الجميع لأن هذا المدعى لاينتمى إلى الأزهر ولالوزارة الأوقاف, كما أنه لايعمل فى مجال الدعوة, فهو ناشط سياسى ومسئول الإعلام لحزب التجمع فى محافظة القليوبية, والرجل مشهور فى بلدته بإسم ميزو,  والرجل يتبع أسلوب مهاجمى الدين الإسلامى الذين يظهرون إنتماءاً شكلياً له مثل الراحل خليل عبد الكريم وسيد القمنى الحاصل على جائزة الدولة التقديرية فى عهد فاروق حسنى رغم تشكيك الكثيرين فى شهادته للدكتوراه وفى شرعية الجامعة الجنبية  التى منحتها إياه, وبالمناسبة يحتفى حزب التجمع واعضائه من الماركسيين والشيوعيين بهذين الكاتبين بإعتبارهما مفكرين إسلاميين.
وكان حزب التجمع فى عهد الرئيس السادات قد انشأ أمانة الشئون الدينية وبدأ فى الإحتفال بالمناسبات الدينية كليلة القدر والمولد النبوى والإسراء والمعراج, وهو ماجعل السادات يصفهم فى إحدى خطبة والموجودة على اليوتيوب بالملاحدة الذين يحاولون البحث عن واجهة إسلامية, فقد كان لقب السادات الرسمى هو الرئيس المؤمن وكان حزب التجمع هو اكبر القوى المعارضة له.

إن أزمة الشيخ ميزو أظهرت ضرورة تدقيق الصحفيين فى خلفيات المصادر قبل ان ينقلوا عنهم الأخبار ومدى أهليتهم العلمية لما يتحدثون عنه, حتى لايقعوا ضحية للنصابين والأفاقين من المرضى الباحثين عن الشهرة, وأصحاب الأجندات الخفية سياسية كانت أو دينية.

النوم مع العدو فى غزة

كانت الحكمة القديمة تقول أن عدو عدوى صديق, أى أن كل من يقاوم إسرائيل يجب أن ندعمه ونؤيده, ولكن الحكمة تغيرت لدى بعض النخب العربية والمصرية بعض الإعلاميين والسياسيين والمحسوبين زوراً على المثقفين أعلنوها صراحة بأننا فى مصر لايجب أن نهتم لما يحدث عند بوابتنا الشرقية, بل زاد بعضهم وأظهر الشماتة والتشفى فى أهل غزة, والأسباب كثيرة فهم يستحقون ما يقع عليهم بسبب سكوتهم على قيادة حماس لهم, أو لأنهم سبق أن باعوا أراضيهم لليهود, أو لأن ما يحدث فى غزة هو تصفية لفرع الإخوان المسلمين هناك وهو ما يصب فى مصلحة النظام الجديد فى مصر والذى يعمل على محاربة وإضعاف الإخوان فى مصر وفى الخارج, كما وأن حماس متهمة بقتل الجنود المصريين فى سيناء, وبمهاجمة السجون المصرية أثناء ثورة يناير 2011 وتهريب سجنائها الذين إعتقلهم نظام مبارك فى السجون المصرية, بالإضافة إلى قتل المتظاهرين فى ميدان التحرير أيام الثورة.
ينسى كل هولاء فى جدلهم هذا حقيقة ما يحدث على الأرض فى غزة من مجازر وجرائم ضد الإنسانية لم تعرف لها البشرية مثالاً, عائلات بكامل أفرادها إنتهت من الوجود, وجرحى فقدوا كل عائلاتهم تحت أنقاض بيوتهم, المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس  وبيوت المدنيين تقصف بطائرات ومدافع ودبابات جيش إسرائيل المحتل, والمسنيين والنساء والأطفال أهدافاً مشروعة لقناصيهم إلى درجة تفاخر احدهم على مواقع التواصل الإجتماعى بعدد ماقنصه من اطفال فلسطينيين, وخروج جماعة من الإسرائيليين للإحتفال والغناء فى الشوارع بأنه لن تكون فى غزة مدارس بعد قتل كل تلاميذها, شارات الإسعاف والطواقم الطبية والصحفيين ووكالات غوث اللاجئين لم تحمى من يضعها من القصف والموت.
ينسى المؤيدون لحرب إسرائيل على غزة إنسانيتهم التى تدعوهم للوقوف بجوار الإنسان المظلوم المقهور أياً كان عرقه أو دينه أو توجهه السياسى, فما بالنا بأشقاء لنا فى الدم والدين والجوار والتاريخ والجغرافيا, مليون ونصف إنسان أحكمت إسرائيل حصارها عليهم لتحول قطاعهم إلى سجن كبير, وتزيد عليه بضربهم بآلتها العسكرية الرهيبة كلما أرادت إجتثاث رؤوس قياداتهم وكوادرهم.
دول بعيدة فى أمريكا اللاتينية تحركت فبوليفيا تدرج إسرائيل فى قوائم الدول الإرهابية, البرازيل وسلفادور وتشيلي وبيرو والإكوادورتسحب سفرائها من إسرائيل احتجاجًا على العدوان.
نجوم كبار فى هوليود يدينون مواقف إسرائيل علناً فى وسائل الإعلام, ويعلنون وقوفهم بجوار شعب غزة مثل النجمة الأسبانية الاصل بينلوبى كروز, والنجم البريطانى الكبير الحاصل على جائزة الأوسكار انتونى هوبكنز الذى قال إنه يشعر بالعار مما يحدث فى غزة, فإسرائيل أصبحت عنواناً للخراب والدمار.
العالم يتحرك دول وأفراد ونخبتنا السياسية والثقافية إما تؤيد العدوان او تعمل أذناً من طين واخرى من عجين, وينسى الجميع وسط  لدد خصوماتاهم السياسية أن غزة هى المدينة الفلسطينية التى كانت تدار بحاكم عسكرى مصرى منذ عام 1948 وحتى حرب عام 1967م, وهى نفس المدينة التى تختلط فيها العائلات المصرية والفلسطينية وتنصهر بحكم سنوات الجوار وقبل تقسيم الحدود الدولية بين مصر وفلسطين أثناء الحرب العالمية الاولى(إتفاقية سايكس بيكو 1916م), وبحكم تردد أبناء غزة على مصر سواء للتعلم فى جامعاتها او العلاج فى مستشفياتها, وبحكم سنوات النضال معاً ضد العدو المشترك وهو إسرائيل ومنذ قيامها فى عام 1948م, كما ان حركة الكفاح الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل أطلقها جمال عبدالناصر من القاهرة بعد هزيمة 1967م.
ينسى المؤيدون لإسرائيل فى عدوانها على غزة أن قضية فلسطين كانت ومازالت هى قضية كل عربى من المحيط إلى الخليج, وأن العمل على إقصاء الإسلاميين من مواقع الحكم فى مختلف البلدان العربية لايجب أن يتقدم على عداوتنا التاريخية لمن إحتلوا ومازالوا يحتلون الأراضى العربية فى فلسطين وسوريا ولبنان, والذين قتلوا أسرانا فى حروب 1956 و1967م والذين يحلمون بقيادة الشرق الأوسط الجديد بإضعاف الدول العربية أو تقسيمها إلى دويلات أو تركها فى يد حكام من العملاء.
ينسى المؤيدون لعدوان إسرائيل على غزة ان العقيدة الدينية للإسرائيليين وكتبهم المقدسة تحضهم على قتل كل من هو ليس يهودياً سواء كان شيخاً او إمرأةً أو طفلاً حتى تخلص لهم أرضهم الموعودة التى كافأهم بها الرب من النيل إلى الفرات, فهم وحدهم شعب الله المختار وغيرهم أغيار, وهذا هو سبب دمويتهم وبشاعة ما يفعلونه بنا فى حروبهم معنا.
أما العرب والمصريين المتصهينيين والذين مازالوا يؤيدون عدوان إسرائيل على غزة     
 فيجب أن يعلموا أنهم سيموتون فى اليوم الذى يتركون فيه إخوانهم فى غزة يموتون فالنوم فى أحضان العدو لن يفيدكم فأنتم أيضاً مجرد أغيار وسياتى الدور عليكم ليطهروا أرضهم المقدسة منكم فلن تكونوا منهم أبداً مهما تصهينتم.


(رد قلبى) رد ثوار يوليو على خلاعة سنيما زمنهم


بعد الثورة بشهور محمد نجيب يهدد السينمائيين من الإستمرار فى الإساءة لأنفسنا ودفع جيل من الشباب إلى الهاوية.
نفاقاً للسلطة حسين فوزى يصف فيلمة (جنة ونار) فى مواد الدعاية بالفيلم الإستعراضى الإشتراكى وأنور وجدى يصف ( دهب) بالفيلم الجديدالنظيف فى العهد الجديد النظيف.
إسماعيل ياسين يغنى أول أغنية  لمحمد نجيب فى فيلم (اللص الشريف).
عفريت يتنبأ بثورة يوليو ويبشر بالقضاء على الإستعمار وأعوانه وإقامة حياة ديمقراطية فى فيلم (عفريت عم عبده).
اول ظهور سينمائى لتنظيم الضباط الأحرار فى فيلم (الله معنا)الذى قدم قضية الأسلحة الفاسدة فى معالجة لمفجرها الحقيقى إحسان عبدالقدوس.
المنتجة آسيا جمعت يوسف السباعى وعزالدين ذوالفقار وأحمد مظهرزملاء عبدالناصر فى الكلية الحربية لعمل فيلم عن الثورة.
قصة حب إنجى إبنة البرنس وعلى إبن الريس عبدالواحد  مستلهمة من قصة حب الشاطر حسن خولى الجنينة مع الأميرة.
فى (غروب وشروق) يحاول جمال حماد كاتب بيان ثورة 23 يوليو تصوير الأجواء التى سبقت ليلة الثورة بداية من حريق القاهرة.
صدفة تمنع صلاح ذو الفقار من المشاركة فى الدفاع عن محافظة الإسماعيلية أثناء حصار الإنجليز لها فى 25يناير 1952.
الجيش يرفض التصريح لأحمد مظهر بالتمثيل فى(رد قلبى)لأن رتبته كبيرة فيقرر هو الإستقالة.





كانت صناعة السينما فى اوج إزدهارها عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952م, ولكنها كانت سنيما تجارية خفيفة يغلب عليها الجانب الترفيهى وأحياناً الترفيهى شديد السطحية خاصة فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
جاء أول تصريح عن السينما فى عهد الثورةعلى لسان اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة ونشرته مجلة الكواكب  فى 11 نوفمبر 1952م وفيه تهديد  ووعيد ووصف لنوعية السينما وقتها بالميوعة والخلاعة والإنحناء نحو التجارة, وقال إن هذا لايمكن السكوت عليه, لأننا بذلك نسئ إلى أنفسنا ونهوى بها إلى الحضيض وندفع جيلاً من الشباب إلى الهاوية.
وهو التهديد الذى جعل السنيمائيون ينافقون السلطات الجديدة ورجالها فيعلن حسين فوزى  عن فيلمه الإستعراضى (جنة ونار) بطولة نعيمة عاكف وعبدالعزيز محمود, والذى عُرض فى ديسمبر ١٩٥٢ بأنه «الفيلم الاشتراكى الاستعراضى الكبير".
وتمشياً مع التوجه الجديد للسنيما فى نفاق الثورة وضباطها يعلن انور وجدى فى حملته دعاية
لفيلم (دهب) الذى عرض فى مارس 1953م "فيلم جديد ونظيف فى عهد جديد ونظيف»، وعلى نفس المنوال غنى إسماعيل ياسين لمحمد نجيب مشيداً بما قام به لصالح الوطن اغنية(20مليون وزيادة) فى فيلم (اللص الشريف) الذى عرض لأول مرة فى 2نوفمبر 1953م وهو فيلم تجارى من إخراج حماده عبدالوهاب, وتأليف على الزرقانى, ومن بطولة شادية وإسماعيل ياسين ولولا صدقى.
العفريت الثورجى
وكان مجلس قيادة الثورة قد قررتعيين الصاغ وجيه اباظه ضابط الشئون العامة بالقوات المسلحة مسئولاً عن السنيما فى أوائل عام 1953م, وقد بقى كذلك لعدة سنوات.
كان اول فيلم يتناول الثورة هو فيلم (عفريت عم عبده)عن قصة وسيناريو وإخراج حسين فوزى والفيلم عرض لأول مرة فى 16 فبراير 1953م, وهو من بطولة ممثله إسمها حبايب وهاجر حمدى وشكرى سرحان وإسماعيل ياسين وعبدالسلام النابلسى.
والفيلم يدور حبايب التى تحاول البحث عن خريطة الكنز الذى تركه والدها عم عبده قبل ان يقتل, والذى تحول إلى شبح يحاول الإنتقام ممن قتلوه و فى نفس الوقت يساعد إبنته فى الوصول الى ثروته التى خبأها قبل وفاته, ولأنه شبح فهو يتبأ بالمستقبل فيتحدث عن ثورة قادمة لتقضى على الفساد والظلم, بل أنه يتحدث عن مبادئها السته التى أعلنها البيان الأول للثورة من القضاء على الإستعمار وأعوانه, والقضاء على سيطرة رأس المال, وإقامة حياة ديمقراطية سليمة, وإقامة جيش وطنى قوى.
كان فيلم (الله معنا) هو اول فيلم يقدم تنظيم الضباط الأحرار سينمائياً, من خلال شخصية عماد حمدى الضابط الذى يفقد زراعه فى حرب 1948م بسبب الأسلحة الفاسدة, ثم البدء فى تكوين تنظيم من الضباط العائدين من الحرب الثائرين على الأوضاع السائدة فى البلاد, ويساند الضباط صحفى شاب يتناول فى كتاباته موضوع الأسلحة الفاسدة, والذى يقف القصر بكل قوته ضد فتحه بسبب مشاركة الملك فى هذه الصفقات, ويدور الصراع بين الضباط والملك وحاشيته حتى ينجح الضباط فى حركتهم ضد الملك.
والفيلم عن قصة لإحسان عبد القدوس وهو اول من كتب بالفعل عن موضوع الأسلحة الفاسدة فى مجلة( روز اليوسف)ومن سيناريو وإخراج أحمد بدرخان, والفيلم عرض لأول مرة فى 14 مارس 1955م, وهو من إنتاج ستديو مصر, أكبر الجهات الإنتاجية وقتها, ومن بطولة عماد حمدى وفاتن حمامه ومحمود المليجى.
ثلاث ضباط
الفيلم الثالث والأهم والأشهر فى محاولة التأريخ للثورة هو فيلم (رد قلبى), والذى عرض لأول مرة فى 9الأسكندرية فى ديسمبر 1957م, وقد حضر جمال عبد الناصر شخصياً العرض الأول للفيلم فى القاهرة 10 ديسمبر فصناع الفيلم من زملائه فى الكلية الحربية, فالمنتجه آسيا بذكائها وجدت ان أفضل طريقة للتعبير عن الثورة سينمائياً بطريقة ترضى المسئوليين الجدد هو بالإستعانه بأصدقائهم من ذوى المواهب الفنية فجمعت يوسف السباعى, وعزالدين ذوالفقار, وأحمد مظهر وكلهم تزاملوا مع عبدالناصر فى الكلية الحربية فى دفعتى 1937و 1938م.
فمؤلف قصة الفيلم هو يوسف السباعى خريج دفعة 1937 حربية وعمل ضابطاً بسلاح الفرسان , وكان يدرس بالكلية الحربية منذ عام 1944م بعد حصوله على اعلى شهادة فى المدرعات فى الشرق الأوسط, وفى عام 1952م عين مديراً للمتحف الحربى.
أما مخرج الفيلم وكاتب السيناريو والحوار له فهو عز الدين ذوالفقار, تخرج من الكلية الحربية فى 1937 ترقى فى الجيش حتى رتبة( اليوزباشى) وهى تساوى النقيب برتب هذه الأيام, إلتحق بسلاح المدفعية ولكن نجاح شقيقه الأكبر محمود ذو الفقار فى التمثيل والإخراج السينمائى دفعه للإستقالة من الجيش والعمل كمساعد مخرج مع محمد عبد الجواد فى عام 1944, وبداية من عام 1947م أصبح مخرجاً وتوالت نجاحاته كمخرج للأفلام الرومانسية.
وكان العسكرى الثالث فى الفيلم هو أحمد مظهر الولود فى 8 أكتوبر عام 1917 وتخرج في الكلية الحربية عام 1938 وهي الدفعة التي كانت تضم جمال عبدالناصر وأنور السادات وعبداللطيف البغدادي وحسين الشافعي.
أثناء الحرب العالمية الثانية كانت مهمته في الجيش رصد الألغام البحرية التي تلقيها طائرات الألمان في قناة السويس حتى يمكن تطهير القناة منها وكانت مهمة محفوفة بالمخاطر لأنه الوحيد الذي يكون موقعه خارج الخنادق أثناء القصف .
عندما قامت ثورة يوليو كان في فرنسا في الطريق إلى فنلندا حيث دورة هلسنكي الأوليمبية وكان ضمن الفريق المصري للفروسية ولأنه كان أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار فقد عينوه في منصب قائد مدرسة الفروسية وهو مازال في الخارج .
عام 1950 اختاره المخرج إبراهيم عز الدين وهو يمت إليه بصلة نسب وكان عائداً لتوه من أمريكا حيث درس الإخراج السينمائي .. وكان أول مشروعاته السينمائية هو فيلم " ظهور الإسلام " عن قصة" الوعد الحق " للدكتور طه حسين وقرر المخرج الاستعانة بجنود الخيالة لتصوير مشاهد المعارك .. ولأن أحمد مظهر كان الضابط المسئول عن هؤلاء  الجنود رأى المخرج أنه يصلح لدور "أبو جهل " وكان فارساً أيضاً ولكن صلته انقطعت بعد ذلك بالسينما واعتبرها مجرد صدفة .
جاء دخوله الثاني والكبير للسينما عام 1956 عن طريق الجيش بواسطة اثنين من أصدقائه من ضباط الجيش ومن محبي السينما ، وهما عز الدين ذوالفقار الضابط السابق بالجيش ويوسف السباعي, وكانت وحدته يفصلها عن وحدة احمد مظهر شارع واحد, فكان أغلب الوقت يقضيه إما في ضيافة يوسف السباعي في الوحدة التي هو قائدها أو يكون يوسف السباعي في ضيافته في الوحدة التي هو قائدها حتى قال له يوسف إن عز الدين ذوالفقار يراه في دور ( علاء ) في فيلم ( رد قلبي ) وأنه ـ أي يوسف السباعي ـ يشاركه الرأي وقبل أحمد مظهر, ولكنه فشل في الحصول على تصريح بالتمثيل من الجيش لأنه كان ضابطاً برتبة كبيرة ( قائم مقام ) وهى تماثل رتبة عقيد  الآن  فقرر الاستقالة من الجيش, ولعب الدور ونجح فيه وتوالت عليه الأدوار  والبطولات بعد ذلك.
الضابط الرابع
وكان الضابط الرابع فى (رد قلبى) ضابط شرطه وكان مازال فى الخدمه أثناء تمثيل الفيلم وهو صلاح ذو الفقار شقيق المخرج عزالدين, وقد ارتبط دور الضابط بصلاح ذوالفقار منذ أول أفلامه "عيون سهرانه" عام 1956، وعلى طول مسيرته الفنية حتى قبل وفاته لفترة قصيرة ، ففي نهاية المشوار تقريباً قدم صلاح ذوالفقار دور الضابط في فيلم " الطريق  إلى إيلات " ، حيث جسد شخصية قائد القوات البحرية ، ولعل السبب في ارتباط هذا الدور به  أنه كان في حياته الواقعية ضابطاً ناجحاً قبل أن يصبح ممثلاً .
ولد صلاح ذوالفقار في 28 يناير عام 1926 لعائلة تجمع بين العسكرية بتقاليدها الصارمة وما تتسم به من جدية وانضباط وبين حياة الفن التي تتلألأ بالأضواء والنجوم  فوالده أحمد مراد ذوالفقار ، كان حكمداراً للمنوفية, وقد حرص على تنشئة ابنه صلاح وإعداده ليكون ضابطاً مثله, وبالفعل حقق الشاب أمل والده  وتخرج في كلية الشركة بتفوق, وكان من زملائه في نفس الدفعة حسن أبو باشا وأحمد رشدي وزكي بدر ، وكل منهم وصل إلى منصب وزير الداخلية, أما الجانب الفنى فى العائلة فكان شقيقاه محمود وعز الأول ترك الهندسة ليتفرغ للتمثيل والإخراج, والثانى ترك الجيش لممارسة الإخراج..
  وفي أعقاب تخرجه عين صلاح ذوالفقار مدرساً بكلية الشرطة, واختار سرية المستجدين ليتولى تعليم كل من يدخل الكلية قواعد السلوك العسكري وآدابه .
ونقل الضابط الشاب صلاح الدين أحمد مراد ذوالفقار إلى سجن مصر العمومي, وأسندت إليه مهمة حراسة المسجونين في قضية مقتل أمين عثمان, ومن بينهم الرئيس الراحل أنور السادات ، ونشأت بينهما علاقة كان الرئيس السادات يتذكرها ويشير إليها في أحاديث في عيد الفن.
وفي عام 1952 تطوع صلاح ذوالفقار في بلوكات النظام بمنطقة قناة السويس وتصادف أن كان في إجازة عندما حاصرت قوات الاحتلال الإنجليزي محافظة الإسماعيلية يوم 25 يناير عام 1952 ، وقد  استشهد أبطال الشرطة الذين كانوا يدافعون عن مبنى المحافظة في ذلك اليوم.
أما كيف بدأ صلاح مشواره الفني ومن الذي أقنعه بالوقوف أمام الكاميرات ، فإن الفضل في ذلك يرجع إلى المنتج جبرائيل تلحمي الذي أقعنه بتمثيل دور البطولة في فيلم ( عيون سهرانه) عام 1956 أمام شادية وإخراج شقيقه عز الدين ذوالفقار ، خاصة وان الدور لضابط شاب وبالفعل حصل على تصريح من وزير الداخلية بتمثيل الفيلم ، ثم حصل على تصريح آخر لتمثيل دوره في فيلم ( رد قلبي ) في نفس العام ، ولم يفكر في ترك الشرطة إلا عندما توفي والده الروحي عميد كلية الشرطة وقتها وأغراه باتحاذ القرار نجاح الفيلمين اللذين مثلهما.
الشاطر حسن
يظل فيلم (رد قلبى) هو أكثر أفلام السنيما المصرية إقتراباً من محاولات التأريخ لها وللأحداث التى أدت لها.
الفيلم حاول التأريخ لأسباب الثورة إجتماعياً وسياسياً, من خلال الوضع البائس لأسرة عبد الواحد الجناينى فى قصر احد نبلاء العائلة المالكة, الفقر فى عائلة الجنانينى يقابلة الغنى الفاحش للنبيل الذى يمتلك الأرض بما عليها من فلاحين, أما عن الجانب السياسى فيبين الفيلم كيف أن الإلتحاق بالكلية الحربية كان بالواسطة, ومدرسوا الكلية الحربية إنجليز,والجيش يهزم فى حرب 1948م بسبب الأسلحة الفاسدة, ويبدأ الضباط الأحرار فى تكوين تنظيمهم بعد هذه الحرب وتكون شرارة ثورتهم هى حريق القاهرة فى 25 يناير 1952م, وتنجح الثورة ويرحل الملك عن البلاد, والطريف أن مشهد مغادرة الملك فى الفيلم وهو مشهد تمثيلى هو المشهد الذى يظهر فى كل الوثائقيات التى تتناول هذا الحدث, لأن المشهد الحقيقى لمغادرة الملك للبلاد لم يتم تصويره.
والفيلم مستلهم من قصة الشاطر حسن فى الفلكلور الشعبى, حيث يقع خولى الجنينة فى حب بنت الأمير, وتطول فترة حب إنجى إبنه النبيل لعلى إبن الريس عبدالواحد الجنانينى, والتى استمرت من طفولتهما مروراً بدخولة الكلية الحربية ثم مشاركته فى حرب فلسطين, ثم عودته وإشتراكه فى تنظيم الضباط الأحرار, ثم قيام الثورة ومشاركته بعد ذلك فى لجان مصادرة املاك العائلة المالكة, حيث يلتقى بحبيبته وتدور مبارزة بالمسدسات بينه وبين شقيقها علاء تنتهى بزواجه منها, كانت الفترة الطويلة لهذا الحب ضرورية حتى يتغلبان على العوائق التى تحول دون زواج بنت النبيل بإبن الجناينى, وفرصة فى نفس الوقت للتأريخ للأحداث التى مهدت للثورة وأدت إلى قيامها.
ومرت سنوات كثيرة حتى ظهر فيلم (غروب وشروق) الذى تدور أحداثه فى الشهور الأخيرة التى سبقت الثورة ومهدت لها فيبدأ من نهاية إخماد حريق القاهرة فى 25 يناير 1952م, حيث رئيس البوليس السياسى عزمى باشا ( محمود المليجى فى الفيلم) الذى يبدوا مسيطراً على الموقف الداخلى فى البلاد, ولكن محاولته إخماد فضيحة خيانة إبنته الوحيده( سعاد حسنى) لزوجها (إبراهيم خان) بقتله وتزويجها لمن خانت معه زوجها( رشدى أباظه), يجعله يضع جاسوساً عليه وعلى انشطته فى بيته مما يؤدى لغضب الملك عليه وعزله قبل ثورة يوليو بساعات.
الفيلم من إخراج كمال الشيخ وعن قصة لجمال حماد أحد الضباط الأحرار وكاتب بيان الثورة,  والمؤرخ العسكرى بعد ذلك وصاحب كتاب (أطول ليلة فى تاريخ مصر) عن ثورة يوليو, وقد كتب السيناريو والحوار للفيلم رأفت الميهى.


السينما فى مواجهة الإرهاب . . قليل من الأفلام كثير من السطحية


(الإرهاب) محاولة تجارية لإستغلال موجة العنف التى كانت سائدة فى المجتمع وقتها مع إسم نجمة الجماهيرنادية الجندى بلا أى عمق فكرى أو إتقان سينمائى.

(الإرهاب والكباب) تناول جذور الظلم والفساد  التى يمكن أن تدفع المواطن العادى لأن يتحول إلى إرهابى ضد الدولة إذا جاءته الفرصة.

(الإرهابى) إستوحى قصة إغتيال فرج فودة للإقتراب من خفايا عالم المتطرفين وكيفية تجنيدهم وإستغلال فقرهم وجهلهم لإقناعهم بتكفير من لايعرفون عنه شيئاً.

(طيور الظلام) يرى أن الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة هى سبب كل البلاء الذى يعانيه الناس فى مصر.

(الآخر) تناول الإرهاب والتطرف بأشكال مختلفة من أمريكا ضد العالم, ومن رجال الأعمال فى ضد الفقراء, ومن المتطرفين الدينيين ضد المجتمع.






كانت السينما المصرية دائماً فى الأغلب والأعم سينما تجارية تخاطب غرائز جمهورها لتظفر بما فى جيوبه ولا تهتم كثيراً بمخاطبة عقله وفكره ومناقشه هموم مجتمها وقضاياه المصيرية, كان الإرهاب أحد اهم هذه القضايا التى شغلت المجتمع المصرى منذ بداية الثمانينات وتحديداً بعد إغتيال السادات على يد متشددين دينيين يكفرون المجتمع ليقيموا دولة خلافتهم وحتى 1997 عندما هاجم بعض المنتمين لهذه الجماعات معبد الدير البحرى بالبر الغربى لمدينة الأقصر وقتلوا 58 سائحاً كانوا فى زيارة المعبد.
ورغم أن الفن عموماً والسينما على وجه الخصوص كانا هدفاً للإرهابيين الذين يكفرون المجتمع فهوجمت نوادى الفيديو ودور السينما والحفلات الموسيقية والغنائية لطلبة الجامعات, ومع ذلك لم يشجع هذه السينمائيين على التطرق للظاهرة وأبعادها السياسية والإجتماعية.
وحتى عندما تشجع البعض على تقديم شخصية الإرهابى فى افلامه خرجت شخصيات مسطحة أقرب إلى شخصيات رجال العصابات منها لرجال يتصورون أنهم أصحاب فكر ومبادئ وعقيدة حتى وإن كانت هذه الأفكار والعقائد فاسدة.
وحتى نعرف مدى بعد السينما المصرية عن التعبير الصادق عما يدور فى مجتمعها من قضايا ربما وجب علينا أن نستعرض تاريخاً موجزاً لجماعات الإرهاب الدينى فى مصر, والتى تسببت فى غياب الحياة الديمقراطية فيها طوال اكثر من ثلاثين عاماً, وهى نفس الجماعات التى خرج من رحمها تنظيم القاعدة الذى تجاوزت حدود عملياته المنطقة العربية والعالم الإسلامى كله وضرب برجى مبنى التجارة العالمى فى نيويورك 11سبتمبر 2001م.
جماعات الإرهاب الدينى
عرف منتصف السبعينات فى مصر ظهور العديد من التنظيمات والجماعات التى انتهجت العنف طريقاً لفرض رؤيتها السياسية والإجتماعية فى المجتمع كان من أهمها جماعة الكلية الفنية العسكرية, وهم جماعة أسمت نفسها (شباب محمد), وقامت فى 19 إبريل 1974م بمحاولة الإستيلاء على السلاح الموجود فى مخازن سلاح الكلية الفنية العسكرية بهدف قلب نظام الحكم بقيادة الفلسطينى صالح سرية, والذى كان قد نجح فى تكوين خلايا سرية فى القاهرة والإسكندرية من شباب الجامعات وسماها بالأسر, وكان هدفه هو الجهاد لتغيير الأنظمة العربية الحاكمة لإقامة الدولة الإسلامية.
كما عرفت هذه المرحلة(جماعة المسلمون) والتى عرفت فى الإعلام بجماعة (التكفير والهجرة), وقد أسسها شكرى مصطفى عضو جماعة الإخوان المسلمون بعد خروجه من سنوات الإعتقال(من 1965 حتى 1971), عرفت هذه الجماعة بعد إختطافها لوزير الأوقاف الشيخ حسين الذهبى وإغتياله, كانت الجماعة تكفر المجتمع وتحرم الإنخراط فى مؤسساته, وكانت تهدف إلى إعتزال هذا المجتمع الكافر الذى يحكمه الطاغوت حتى تستطيع تكوين الأعوان الذين يستطيعون فتح هذا المجتمع الكافر.
كما ظهر(تنظيم الجهاد) والذى تأسس عام 1977م من مجموعات منتشره فى القاهرة والجيزه وبعض محافظات الصعيد ولكل مجموعة منها أمير وكان من بين هؤلاء الأمراء عاصم عبد الماجد وعصام دربالة وكرم ذهدى وناجح إبراهيم وكانوا أعضاء فى (الجماعة الإسلامية) فى نفس الوقت, وكان أميرهم العام هو مهندس الكهرباء بإدارة جامعة القاهرة محمد عبدالسلام فرج 27 سنه, والذى ألف كتاباً أسماه (الفريضة الغائبة), وهو الوثيقة الفكرية للجماعة والتى تكفر المجتمع, وتحرم التعامل مع مؤسساته وتدعو أعضاء التنظيم إلى الجهاد إلى إزالة طواغيت الأرض بقوة السيف.
وقد ضم التنظيم رائد المخابرات الحربية عبود الزمر والذى وضع للتنظيم خطة الإطاحة بالنظام لإقامة الخلافة الإسلامية, والتى أسفرت عن إغتيال أنور السادات.
(الجماعة الإسلامية) كانت بدايتها فى السماح بتكوين جماعات إسلامية فى الجامعات فى بداية السبعينات بدعم وتأييد من رأس الدولة انور السادات بهدف ضرب التيارات اليسارية والناصرية المناهضة له, كان نشاط هذه الجماعات مرتبط بنشر الثقافة الدينية السلفية المتعلقه بالأخلاق والآداب والسلوكيات, وبعد أن قويت شوكتها بدأت فى تغيير السلوكيات التى لاتراها ملائمة بالقوة كالتعدى على حفلات الطلاب فى الجامعة, ثم تطور الأمر إلى الصدام مع النظام بسبب إتفاقية السلام والتطبيع مع إسرائيل فى الوقت الذى نجحت فيه الثورة الإسلامية فى إيران فكانت نموذجاً ملهماً لأعضاء الجماعة يمكن تكراره فى مصر, وهو ماجعل هدف الجماعة الأسمى هو ضرورة تغيير المنكر وتطبيق الشريعة الإسلامية, ثم كان قرار الجماعة بضرورة إغتيال السادات بالتنسيق مع تنظيم الجهاد بعدما أصدر السادات قرارات سبتمبر 1981م والتى كانت تقضى بإعتقال أكثر من ألف من مختلف التيارات السياسية المعارضة للسادات من سياسيين وكتاب وصحفيين وقيادات دينية مسيحية ومسلمه كان من بينهم أبرز أعضاء وقيادات الجماعة الإسلامية, وبعد إغتيال السادات قام أعضاء الجماعة بالتجمع بعد صلاة عيد الأضحى وهاجموا مقر مديرية أمن أسيوط مما أوقع عشرات القتلى من رجال الأمن.
وقد إرتبطت الجماعة الإسلامية بالعديد من حوادث العنف مثل محاولة إغتيال وزير الداخلية زكى بدر فى عام 1990, ثم نجاحها فى إغتيال رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب فى 12 أكتوبر 1990.
ثم كانت مذبحة الأقصر فى نوفمبر 1997م والتى تبناها أحد قيادات الجماعة الإسلامية ونفاها آخر ولكنها كانت البداية لكى يعلن قادة تنظيمات العنف المحبوسين فى السجون مبادرتهم لوقف العنف ضد الدولة, وماتبعها بعد ذلك من مراجعات فكرية إكتشفوا فيها فساد إجتهادات شيوخهم السابقة والتى أباحت لهم العنف والقتل والدم.
وسط كل هذا العنف الممتد لحوالى الثلاثين عاماً لم تولى السينما المصرية قضية الإرهاب ماتستحقه من الإهتمام, أوما يتوازى مع ما أحدثته فى المجتمع من تغيرات وآثار.
إرهابى بلا قضية
فيلم (الإرهاب) 1989م للمخرج نادر جلال وبطولة نجمة الجماهير وقتها نادية الجندى كان أول تصدى سينمائى لقضية الإرهاب, ولكنه كان أيضاً مجرد محاولة تجارية لإستغلال موجة العنف التى كانت سائدة فى المجتمع وقتها بسبب جماعة الناجون من النار, وإسم أكبر نجمة شباك وقتها ولكن بلا أى عمق فكرى أو إتقان سينمائى.
و(جماعة الناجون من النار) هى جماعة تكفيرية تزعمها ثلاثة هم مجدى الصفتى ومحمد كاظم ويسرى عبد المنعم, وكانت ترى أن المجتمع كافر وكى يحكم بإسلام فرد فيجب التوقف معه لتبين مقدار مايحمله من الإسلام, وقد قامت هذه الجماعة فى عام 1987م بمحاولات إغتيال وزيرى الداخلية السابقين النبوى إسماعيل وحسن أبو باشا, والكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد.
يقدم الفيلم الذى كتبت قصته حسن شاة وكتب له السيناريو بشير الديك قصة صحفية الحوادث التى تتعاطف مع متهم بالقيام بعمليات إرهابية وتراه مظلوماً, يستغل هو تعاطفها ويوقعها فى حبه ويطلب منها حمل حقيبة لأحد أصدقائة فى الخليج, تكتشف هى بالصدفى أن الحقيبة تحمل قنبلة حيث يريد تفجير الطائرة التى كانت ستقلها مع احد الوزراء, ورغم أن العمليات الإرهابية فى هذه الفترة كانت تقوم بها جماعات جهادية إسلامية إلا ان الفيلم يقدم إرهابى أقرب إلى رجال العصابات, ولايقول لنا ماهى قضيته؟  وماهى أفكاره التى يؤمن بها؟ ولالماذا هو إرهابى؟
كان ثانى الأفلام التى تناولت قضية الإرهاب هى فيلم (الإرهاب والكباب)1992, كان الفيلم هو ثانى تعاون بعد فيلم (اللعب مع الكبار) بين الثلاثى عادل إمام اكبر نجم شباك وقتها, والمتهم بعدم تقديم افلام ذات مضمون أو تناقش قضايا هامة, والمخرج الشاب الناجح شريف عرفة والسيناريست وحيد حامد, لم يتطرق الفيلم إلى قضية الإرهاب والعنف الذى تمارسة الجماعات الدينية المتشدده فى المجتمع ولكن فيلم (الإرهاب والكباب) تناول جذور الظلم والفساد فى المجتمع والتى يمكن ان تدفع المواطن العادى لأن يتحول إلى مشروع إرهابى ضد الدولة إذا جاءته الفرصة ووجد بين يديه السلاح, وحتى فى هذه الحالة لن يجد ما يفعله أو يطالب به سوى وجبة من الكباب بسبب فقره وحرمانه وتعوده على الإستكانة والإستسلام لسلطة الدولة وممثليها.

دراما ضد الإرهاب
وفى موجة من موجات محاولة إستخدام الدراما فى محاربة الإرهاب والتطرف قدم التليفزيون المصرى 1994م مسلسل (العائلة) من بطولة ليلى علوى ومحمود مرسى ومن تأليف وحيد حامد بغرض الرد على أفكار المتطرفين الدينية, خاصة بعد إغتيال فرج فودة بسبب كتاباته فى 8يونيو 1992 على يد إرهابى إكتشف المحققون إنه لايقرأ ولايكتب, وبعد عرض المسلسل رأت الدولة الإستعانة بأكبر نجم جماهيرى, بسرعة شديدة وفى سرية صور عادل إمام فيلمه (الإرهابى) الذى كتبه لينيين الرملى واخرجه نادر جلال, قصة الفيلم مستوحاه من قصة إغتيال د.فرج فودة ولكنها كانت المره الأولى التى تقترب فيها السينما المصرية من أفكار المتطرفين وكيفية تجنيدهم وإستغلال فقرهم وجهلهم لإقناعهم بتكفير من لايعرفون عنه شيئاً.
كان الفيلم أنضج محاولة حتى وقتها من الناحية السينمائية فى تناول موضوع الإرهاب بسبب التكفير, ولكن الدولة وقتها إضطرت إلى حماية دور السينما التى تعرض الفيلم حماية مشددة خوفاً من هجمات المتطرفين.
شجع عرض فيلم (الإرهابى) المخرج سعد عرفة على أن يعرض فى عام 1995م فيلمه(الملائكة لاتسكن الأرض)  بطولة بوسى وممدوح عبد العليم وسعيد صالح, والذى كان قد أنتجه من سنوات ولم توافق له الرقابة على عرضه العام بسبب موضوعة والذى يتناول قصة أب يدعى التزمت فى التدين ويعنف ولده إذا ترك الفرائض, مما يجعل إبنه فى حالة من القلق والخوف من المعصية, ولكن الإبن يكتشف أن تدين والده مجرد ستار لتجارته فى المخدرات غير علاقاته النسائية الغير مشروعة.
وجهان للعملة
ويتكرر اللقاء الناجح بين الثلاثى وحيد حامد وعادل إمام وشريف عرفة فى عام 1995 فى انضج تجاربهما معاً, وأنضج التجارب السينمائية التى تتناول جذور وأسباب الإرهاب فى المجتمع, وهى فيلم(طيور الظلام)حيث يرى الكاتب أن الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة هى سبب كل البلاء الذى يعانيه الناس فى مصر, من خلال ثلاثة محامين أصدقاء أحدهما يسارى إنزوى بعد التغيرات التى حدثت فى البلد بعد السبعينات إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً, والثانى وهو الذى قام بدوره عادل إمام وهو من يجد فرصته فى الصعود الإجتماعى فى الإنضمام إلى منظومة الفساد السياسى والإقتصادى فى البلد, والتى تبدا بتقديمه الخدمات الخاصة لكبار السياسيين, وتنتهى به واحداً منهم, اما الثالث فقد إنضم إلى الجماعات الدينية الجهادية كمحام للمتهمين فى القضايا الإرهابية, وكواجهة لإنشطتهم الغير مشروعة.
ورغم أن العمليات الإرهابية ظلت تطل بوجهها بين الحين والآخر إلا ان محاولة تقديمها بشكل سينمائى جاد توقفت بإستثاء محاولة يوسف شاهين تقديم حدث تاريخى فى فيلمه (المصير)1997 عندما قدم علاقة ابن رشد بحاكم الأندلس الخليفة المنصور وتخللى الخليفة عن دعم الفيلسوف, بل وحرق كتبه إرضاء لحلفائه من المتشددين, وكذلك محاولة شاهين فى عام 1999م فى فيلمه(الآخر) والذى تناول فيه العنف والإرهاب والتطرف من أمريكا ضد العالم, ومن رجال الأعمال فى مصر ضد الفقراء, ومن المتطرفين الدينيين ضد المجتمع وحتى ضد اهلهم واشقائهم, وكانت هذه هى المحاولة الأخيرة لتناول هذا الموضوع الهام والشائك الإرهاب بإسم الدين.