Translate

الاثنين، 12 يناير 2015

أنا لست شارلى




أنا ادين مجزرة مجلة (شارلى إبدو) الفرنسية التى راح ضحيتها 12 شخصاً عندما إقتحم مسلحون مقرها أثناء إجتماع مجلس تحريرها ليقتلوا رئيس التحرير والمحررين ورسامى الكاريكاتير عقاباً لهم على نشر الصحيفة رسوماً كاريكاتيرية إعتبرها المهاجمون مساساً برسولهم وديانتهم الإسلامية, فيما إعتبرها الضحايا نوعاً من حرية التعبير التى يكفلها الدستور والقانون الفرنسيان وسائر الدساتير والقوانين فى دول اوروبا والغرب عموماً.
كان الحادث هو الأعنف والأكثر دموية ولكنه لم يكن هو الأول الذى ينجم على خلفية الإساءة لرموز ومقدسات إسلامية فى الغرب, فقد سبق وقتل المخرج الهولندى ثيو فان جوخ في 2 نوفمبر 2004 على يد الهولندي من أصل المغربي محمد بويري على خلفية فيلم قصير أنتجه واخرجه ويظهر فيه آيات من القرآن الكريم  مكتوبة على أجساد النساء العاريات دلالة على إستعباد النساء فى الإسلام.
 كما إنتفض العالم الإسلامى كله عام 2005 وهوجمت سفارات غربية  وذلك بسبب نشرصحيفة يولاندس بوست الدينماركية 12 صور مسيئة للرسول الكريم وهى تصوره فى شكل إرهابى, وقد راح ضحية المظاهرات المنددة بهذه الرسوم أكثر من 500 شخص فى عدة دول, وقد قامت 22 صحيفة غربية بإعادة نشر هذه الرسوم تضامناً مع الصحيفة الدنماركية, إنتصاراً لحرية التعبير- من وجهة النظر الغربية- وكانت من بينها صحفية (تشارلى إبدو) والتى أعادت هذا النشر مرات كثيرة على مدى السنوات السابقة.
الغرب لم يتعلم من تجاربة فى الإساءآت المتكرره للإسلام ومقدساته, الغرب يرى أن المساس بالدين الإسلامى ونبيه ورموزه شئ عادى وطبيعى فى ظل حرية التعبير كقيمة كبرى مهمة وأساسية تتيح مناقشة ونقد كل شئ فى المجتمع بغية تطوره وتقدمه, ونحن فى العالم الإسلامى نرى فى ذلك تطاول على ديننا, وتصدير صورة نمطية عن المسلمين كإرهابيين مما يعد تحريض وبث للكراهية والعنصرية ضدنا.
كما يشعر المسلمون بالمعايير المزدوجة التى يعاملون بها ويرون أن حرية التعبير ليست بالقداسة التى يتشدق بها الغرب عندما يكون الإسلام والمسلمون هم هدف التجاوزات,  فالمستشارة الألمانية ميركل تكرم رسام الكاريكاتير صاحب الرسوم المسيئة للرسول, ويمنح سلمان رشدى صاحب رواية (آيات شيطانية) الحماية والرعاية البريطانية, وبينما تريدنا فرنسا أن نعلق جميعاً كمسلمين شعار (أنا شارلى) تضامناً مع ما تعرض له رسامى ومحررى المجلة التى تعمدت الإساءة لنبى الإسلام وكأن كل المسلمون متهمون وليس الإرهابيون المهاجمون فقط.
أما ان نفس المجلة (تشارلى إبدو) فقد سبق وفصلت أحد رساميها فى 2009 بحجة معاداته للسامية, كما أن كل ناشرى ألمانيا وفرنسا رفضوا نشر مجموعة قصصية بعنوان (منطقة الأوهام) للكاتب البريطاني مارتن أميس وهى  قصص خيالية حول المحرقة من وجهة نظر ثلاثة قادة في معسكر لإبادة النازية, رغم أن المؤلف كان أستاذًا في الكتابات الإبداعية في جامعة مانشستر, ورغم أن جريدة ( ذي تايمز) صنفته كواحد من أعظم خمسين كاتبًا بريطانيًا إلا أنهم وصفوا روايته بالتافهة ولم يجرؤ أحد على نشرها.
أما المؤرخ البريطاني ديفد إيرفنج فيقبع فى أحد سجون النمسا لأنه تجرأ وشكك في اعداد قتلى  المحرقة من اليهود, ولم يشفع له تراجعه عن التشكيك فتعمدوا إهانته اثناء محاكمتة ورمى بالبيض والاوساخ والشتائم والبصاق.
أما رجل الدين البريطانى المطران ويليامسون فقد منعته أستراليا من دخول أراضيها لأنه وصف اليهود بأعداء المسيح, وقال ان ضحايا اليهود اثناء الحرب العالمية الثانية 3 مليون و200 الف فقط وليسوا 6 مليون كما يزعم اليهود فعلق بابا الفاتيكان السابق بندكتوس السادس عشر كل مهامه الأسقفية, كما طرد الرجل من الجمعيات الدينية التى ينتمى إليها.
أما الفيلسوف والمفكر الفرنسى روجيه جارودى فتعرض للمحاكمة والإدانة وقاطعته كل الأوساط الأكاديمية والإعلامية بسبب كتابه (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) والذى يشكك فيه فى المحرقة.
فحرية التعبير إذن فى الغرب ليست مطلقة كما يقولون لنا عندما يتعلق الأمر بديننا ونبينا ومقدساتنا, فقد حوكم  مغنّي ال"راب" الفرنسي موسيو إر لأنه وصف فرنسا بالمومسه ولأنه قال إنه يريد ان يتبول على نابليون, ومن أشد المفارقات طرافه فى المعايير المزدوجة فى قضية مجلة (تشارلى إبدو) هى ان هذه الصحيفة نفسها ورثت صحيفة ساخرة أخرى كان إسمها (هارا كيرى) وقد أوقفت عن الصدور بسبب سخريتها من الزعيم الفرنسى شارل ديجول بعد وفاته.
الإساءة للأديان إستغلها بعض الفنانين والكتاب ومخرجى السينما وحتى السياسيين اليمينيين المتطرفين فى هولندا وفرنسا والمانيا للشهرة وكسب المؤيدين ولتحقيق المكاسب المادية من زيادة توزيع المطبوعات والقائمة طويلة بطول اوربا وعرضها.
 بعض الدول كأيرلندا وكندا أدركت خطورة  الإساءة للأديان على مجتمعاتها وعلى العالم كله فإعتبرته فى قوانينها نوعاً من الإستفزاز العلنى البعيد عن  حرية التعبير ويوجب المحاكمة, لكن للأسف مازالت أغلب دول الغرب ترى فى الإسلام تهديداً, وتخشى من الأسلمة بسبب المهاجرين على اراضيها مع تناقص اعداد سكانها بشكل طبيعى فزادت فيها عمليات الإعتداء المساجد والتمييز ضد المسلمين ونشطت فيها جماعات وأحزاب اليمين المتطرفة التى تقاوم المهاجرين عموماً والمسلمين خصوصاً, وقد ذهبت المصرية مروة الشربينى زوجة احد طلبة الدكتوراة فى المانيا ضحية لأحد هؤلاء المتطرفين.
كانت منظمة التعاون الإسلامى قد بدات ومنذ عام 1989م فى جهود دبلوماسية تتكرر كل عام من اجل إصدار قرار ملزم من الأمم المتحده بمنع إزدراء الدين الإسلامى نظراً لما يتسبب به من سقوط ضحايا بعد كل رسوم مسيئة للمقدسات الإسلامية أو إنتاج أفلام لنفس الغرض كالفيلم الأمريكى (براءة المسلمين) ولكن كل هذه الجهود كانت تصدم بالرفض الغربى حيث ترى هذه الدول فى مثل هذا القانون تقييداً لحرية التعبير, وإنتهى الأمر بإصدار قرار غير ملزم من الأمم المتحده بمنع إزدراء كل الأديان عام 2011, ساعتها طالب رئيس  منظمة التعاون الإسلامى أكمل الدين إحسان أوغلو بإحترام الثقافة الإسلامية بنفس قدر إحترام الثقافة اليهودية ولكن احداً لم يستمع له حتى اعلن الرجل توقف جهود منظمته عن حملتها بداية من عام 2012م.
 ترى كم سيسقط من ضحايا قبل أن  يستمع الغرب لصوت العقل ويحترم المسلمين وإسلامهم المعتدل والعقلانى وحتى يقطع الطريق على المتشددين والمتطرفين من الجانبين, نعم أنا ادين مجزرة مجلة (تشارلى إبدو) لكننى لست تشارلى فتشارلى تعمدت إهانة مقدساتى, فمن فضلك ساعدنا فى منع الإساءة للأديان التى تتسبب فى نمو التطرف والعنف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق