Translate

السبت، 3 يناير 2015

قبطى يغسل عار قبط مصر بقتل رئيس الوزاء القبطى


عريان يوسف سعد
يوسف وهبة باشا
قصة عريان يوسف سعد(1899-1974) القبطى المصرى طالب مدرسة الطب فى جامعة فؤاد الأول هى قصة مصرى وطنى شريف قرر التضحية بحياته من أجل حرية وطنه, رأى أن إنتمائه لبلده يعلوا على إنتمائه الطائفى فقرر التطوع لإغتيال رئيس الوزراء القبطى الموالى للإنجليز حتى تكون دوافع العملية وطنية خالصة وبلا أى شبهة طائفية يمكن أن تشق الصف الوطنى.
لم يفكر فى الحياة الرغدة الهانئة التى يمكن أن يحياها كإبن لإحدى الأسر الإستقراطية, ولم يشغله المستقبل المشرق الذى ينتظره كطبيب إذا أكمل دراسته, قال فى مذكراته التى نشرتها حفيدته بعد وفاته بأكثر من 35 سنة "أنا ميت علي كل حال إن لم أمت اليوم فأنا ميت حين تدركني الشيخوخة لكن الوطن حي لن يموت.. لا يحق لنا أن نترك الوطن يخلد في القيود لكي نحتفظ بأرواحنا إلي حين."
بدأت حكايته عندما نزل من بلده ميت غمر ليلتحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية ومن بعدها بمدرسة الطب العليا, وككل المصريين الذين استجابوا لنداء سعد زغلول ورفاقه قام بتوقيع توكيل لهم للسعى فى سبيل إستقلال مصر عن المحتل البريطانى, ولكن الحاكم العسكرى البريطانى أمر بإعتقال سعد زغلول وزملائه فإشتعلت المظاهرات فى كل مصر التى بدأها طلبة مدرسة الحقوق, شارك عريان فى المظاهرات وكان من ضمن من قبض عليهم ودخل معتقل القلعة لمدة أحد عشر يوماً, عندما خرج وعاد إلى بلدته ميت غمر وجدها قد أعلنت إستقلالها وقد عين أعيانها أحمد بك عبده سلطاناً عليها, فتشارك مع طلاب المدارس العليا والعمال مهمة العمل كحرس وطنى لحفظ الأمن بعد أن جلس المأمور وموظفوه فى بيوتهم, ولكن وصول قوة من السوارى النيوزلنديين أعاد المأمور إلى مكتبه وإخفى الحرس الوطنى من الشوارع وأنهى تمرد ميت غمر بعد أسبوعين من الإستقلال.
أفرج عن سعد زغلول وسافر مع رفاقه إلى باريس لعرض مشروع الإستقلال هناك, وأعلنت بريطانيا إرسال وزير مستعمراتها ملنر إلى القاهرة لبحث مطالب المصريين, من باريس أعلن سعد زغلول مقاطعة لجنه ملنر, ورفض محمد سعيد باشا رئيس وزراء مصر مقابلة اللجنة وأعلن إستقالته, ولأن جموع الشعب وكبار ساسته كانوا يؤيدون مقاطعة ملنر ولجنته, ولم يجد الإنجليز غير يوسف وهبة الوزير القبطى فى حكومة محمد سعيد لتكليفه برئاسة الوزارة للتفاوض مع ملنر, كانت الحساسيات الطائفية التى أطلت برأسها فى المجتمع قبلها بسنوات قليلة مازالت موجودة, خاف بطريرك الأقباط كيرلس الخامس أن يساء الظن بالكنيسة والأقباط إذا قبل يوسف وهبة الوزارة فأرسل له وفداً من أعيان الأرثوزوكس ليرفض الوزارة ولكنه رفض مقابلة الوفد وشكل حكومته.
يقول عريان يوسف فى مذكراته "كانت جمرات الحقد بين العنصرين لاتزال تحت رماد النسيان، أطفأها سعد زغلول فى قلوب المثقفين وعقولهم، ولكنها بقيت بين كثيرين من قليلى الحظ من الثقافة وكانوا كثرة فى البلاد", كان عريان يدرك خطورة تشوية الحركة الوطنية بالطائفية فقد كانت التداعيات الطائفية لمقتل بطرس غالى أول رئيس وزراء قبطى لمصر على يد إبراهيم الوردانى المسلم أمام عينيه.
كانت جذورالحساسيات بين المسلمين والمسيحيين موجودة ومنذ زمن  بسبب شكوك وسوء ظن كل طرف بالآخر, جانب من المسلمين يرى أن مشروع الإستقلال الوطنى يجب أن يكون تحت المظلة الإسلامية ويرون فى الأقباط حلفاء للمستعمر بسبب الديانة المسيحية المشتركة بينهم ومثلهم فى ذلك المعلم يعقوب القبطى الذى خلع عليه الفرنسيين أثناء حملتهم على مصر رتبة الجنرال, وذلك بسبب تكوينه فرقة من الأقباط لمساعدتهم فى قمع المصريين, ولكنه مع نهاية الحملة رحل ومعه بعض اتباعه على سفنهم.
وعلى جانب آخركانت الموروثات القديمة لدى كثير من المسلمين فى التعامل مع الأقباط بإعتبارهم أدنى وأقل درجة, بينما كان كثير من الأقباط يرون أن حقوقهم فى المواطنه مهدرة خاصة بعدما تعلم قطاع كبير منهم فى المدارس الأجنبية وأن أعداد الأقباط فى المناصب العليا للدولة لاتتناسب وأعدادهم وتكاد تكون منعدمة, كما كان من يعملون منهم فى المهن الحرة أثرياء وبالتالى  يدفعون جانباً كبيراً من الضرائب للدولة يفوق نسبتهم كأفراد فى الشعب, فى نفس الوقت  كان جانباً من المسلمين يرى أن العدد الكبير من موظفى الدولة وإدارييها كالمحاسبين وماشابه ذلك من الأقباط يعود إلى تحيزهم لبنى طائفتهم وتفضيل تعيينهم عن المسلمين, وسط هذا الجو المشحون والذى أججته كتابات وصحف المتطرفين من الجانبين الإسلامى والمسيحى جرى إغتيال بطرس غالى باشا أول رئيس وزراء قبطى فى مصر على يد الشاب المسلم إبراهيم الوردانى فى 20 فبراير 1910م.
القاتل إعترف إنه قام بالقتل بعدما حضر جلسة الجمعية الوطنية لمناقشة مشروع قانون تمديد عقد إمتياز قناة السويس لأربعين عاماً بعد نهاية عقد إمتيازها عام 1968, أى أن المصريون لن يحصلوا على القناة إلا عام 2008م, وهو القانون الذى أعده بطرس غالى وأخفاه لمدة عام حتى حصل عليه محمد فريد ونشره فى جريدة (اللواء) وحشد الرأى العام ضده, كما أن غالى كان هو رئيس محكمة دنشواى, رغم ذلك إستغل مثيرو الفتنه من الأقباط الحادث السياسى وصوره على أنه حادث طائفى, ساعدهم فى ذلك الصحافة البريطانية والتى أفردت صفحاتها لمطالب بعض الأقباط بطلب حماية بريطانية للأقباط وحل الجيش المصرى, وزاد التوتر بدعوة البعض  للمؤتمر القبطى الأول فى أسيوط فى مارس 1911م,  ورد عليهم المتعصبون بعمل المؤتمر الإسلامى فى هليوبوليس, ورغم أن عقلاء الأقباط هدأوا من نبرة مطالب مؤتمر الأقباط وعقلاء المسلمين حولوا المؤتمر الإسلامى إلى مؤتمر المصريين إلا أن الحساسيات الطائفية ظلت موجودة.
من أجل ذلك كله عندما طرحت فكرة ضرورة قتل رئيس الوزراء يوسف وهبة القبطى لقبوله التعاون مع الإنجليز والتفاوض مع لجنة ملنر تطوع عريان سعد لتنفيذ المهمة, وقرر تسليم نفسه للسلطات بعد التنفيذ ليعرف الجميع ديانته حتى يقطع الطريق على سلطات الإحتلال البريطانية فى الإيقاع بين مسلمى الأمه وأقباطها.
كان عريان عضواً فى جماعة وطنية سرية إسمها (الأيادى السوداء) تقوم بإلقاء القنابل على عساكر الإنجليز والمتعاونيين مع الإحتلال من مسئولين مصريين, إتفق عريان مع أصدقائة على إلقاء قنبلتين على سيارة رئيس الوزراء أثناء مرورها فى شارع سليمان باشا, ولكن محاولة الإغتيال فشلت وإنفجرت القنابل فوق السيارة وعلى جانبها وقبض على عريان وإقتيد إلى مكتب رئيس الوزراء فقال له بكل شجاعة" أنا قبطي أردت أن أغسل بدمي ودمك ما وصمت به الأقباط بقبولك تأليف الوزارة."
ووقف عريان أمام محكمة عسكرية بريطانية فى يناير 1920 قضت بسجنه عشر سنوات مع الأشغال الشاقة, وأصبح عريان بطلاً تهتف الناس بإسمه وبعد أربعة سنوات عندما أصبح سعد زغلول رئيساً للوزراء أصدر عفواً عنه.

لم يستطع عريان إكمال دراسته للطب بعد خروجه من السجن بسبب نشاطة السياسى فعين فى مجلس الشيوخ, وقد حصل على رتبة البكوية عام 1951م, وعندما إفتتح مكتب مقاطعة إسرائيل التابع للجامعة العربية فى دمشق إنتقل للعمل فيه حتى عام 1957م, ثم تفرغ بعد ذلك لمشروعاته الخاصة حتى توفى عام 1974م, وبعد وفاته بأكثر من 35 أصدرت حفيدته مذكراته فى كتاب عن دار الشروق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق