Translate

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

نحن ضد الرقابة ولكن يجب منع عرض فيلم (الخروج. . آلهة وملوك)



                                            لقطة من فيلم (الخروج . . آلهة وملوك)

قامت الدنيا ولم تقعد على وزير الثقافة د. جابر عصفور لأنه قرر منع عرض فيلم (سفر الخروج: ملوك وآلهة فى مصر), الحجج التقليدية فى مهاجمة الوزير كانت أنه يتصدى لمنع عرض الفيلم ليجنب الأزهر الحرج بعدما وقع صداماً بينه وبين المؤسسة الدينية, عندما رفض الأزهر فيلم (نوح) لأنه يجسد شخصية نبى والأزهر يحريم تجسيد الأنبياء, فى الوقت الذى صرح وزير الثقافة فيه أنه لايجب أن يكون للمؤسسة الدينية دخل فى تقييم الإبداع.
ولكن هذه المرة الأمر مختلف فبغض النظر عن أن الفيلم يظهر الذات الإلهية فى صورة طفل, وهو مالايتناسب وجلالها وقدسيتها, ومالا يتفق و فطرة أى مؤمن بأى دين سماوى ويجعله يتخذ موقفاً سلبياً من الفيلم حتى قبل أن يراه, ويطالب بمنعه لما فيه من إستفزاز للمشاعر الدينية لكل معتنقى الديانات السماوية, ولكن هذه ليست هى القضية أيضاً مع أهميتها.
نعرف أن المنع وسيلة لم تعد مجدية فى الحد من إنتشار أى عمل فنى أو أدبى يحظر تداوله العام بعد وجود الإنترنت والقنوات الفضائية والتى تصعب على اى سلطات محلية التحكم فى المحتوى الذى تنشرة, ومع ذلك يبقى منع هذا الفيلم من العرض العام فى مصر نوعاً من إتخاذ المواقف الإيجابية ضد من يستهين بتاريخنا ويحاول تزويره وترسيخ هذا التزوير فى الثقافة العالمية.
الفيلم يتبنى وجهة النظر الصهيونية والتى تقول أن اليهود هم من بنى الأهرامات, وهو نفس ماردده رئيس وزراء إسرائيل فى حفل توقيع إتفاقية (كامب ديفيد) 1977م عندما قال فى كلمته أمام السادات وكارتر "أن جهود الرئيس الأمريكى للتوصل لهذا الإتفاق تفوق ما بذله اسلافه  اليهود من جهد فى بناء الأهرامات" ولم يرد السادات سوى بقههة عالية وسط تصفيق الحضور من الوفدين المصرى والإسرائيلى, وقد وجدت بعد ذلك بسنوات كثيرة الكشوف الأثرية مساكن العمال الذين بنوا الأهرامات وأثبتت أنهم مصريون.
ويتبنى الفيلم كذلك وجهة النظر الصهيونية التوراتية التى ترى أن الفرعون الذى إستعبد اليهود فى مصر هو الملك رمسيس الثانى أحد أعظم حكام مصر, وصاحب اطول فترة حكم فى التاريخ البشرى كله حوالى 65 سنة, وصاحب أحد اكبر الإنتصارات العسكرية على الحوثيين, وصاحب المعابد الضخمة التى تدل على شكل الحياة ومدى تقدمها فى عصره, وصاحب أشهر مومياء فى العالم كله والذى تقف مسلته التى أهداها محمد على باشا لفرنسا شامخة فى ميدان الكونكورد فى باريس.
والخروج من مصر موجودة  فى (الهاجاداه) وهى مجموعة الصلوات والأدعية والمزامير والتى يرددونها في أول ليالى عيد الفصح اليهوديّ: "عبيدًا كُنّا لفرعون في مصر، وأخرجنا الربّ إلهنا من هناك بيدٍ قويّة وذراع ممدودة, ولو لَم يُخرج القدوس آباءنا من مصر، لكنّا لا نزال نحن وأبناؤنا وأحفادنا عبيدًا في مصر"



والهوس الإسرائيلى بالملك رمسيس الثانى ظهر للعلن فى منتصف السبعينات عندما قامت حملة فى الصحافة الفرنسية تطالب بتضافرالجهود لحماية مومياواه من التلف الذى يهددها, واعلنت الحكومة الفرنسية إستعدادها لعلاج المومياء على اراضيها, وبعد سفر المومياء نقلت الصحافة العالمية زيارة موشى ديان له وتفاخره بأن الفرعون خرج من مصر كما أخرج اليهود منها, وثبت بعد ذلك ان الغرض الأساسى من خروج المومياء من مصر كان محاولة إثبات أن رمسيس الثانى هو فرعون الخروج.
بعد شهور قليلة من توقيع إتفاقية السلام 1997م تقدمت مؤسسة الإستديوهات المتحدة فى إسرائيل إلى السلطات المصرية عن طريق مكتب رئيس وزراء إسرائيل بمذكرة تطلب فيها التعاون فى إنتاج فيلم (خطوات على طريق الهجرة الجماعية) ويقول ملخصة " فى الزمن القديم من حوالى 4000 سنة كانت توجد علاقات طيبة بين عائلات اليهود من فلسطين ومصر, وأثناء الجفاف كان اليهود يذهبون إلى مصر طالبين الطعام, ومع الوقت عاش اليهود فى الجزء الشرقى من البلاد المسمى جوشين, وأصبح يوسف أحد اهم الوزراء المصريين, وبعد مئات السنين وكان الحاكم هو رمسيس الثانى قامت حرب بين مصر ومملكة الحيثيين, وكانت نفقات الحرب باهظة مما اثقل كاهل الناس بالضرائب والتى وقع أغلبها على اليهود فقرروا الرحيل عن مصر والعودة إلى أرض كنعان مع قائدهم موسى, والذى تربى فى قصر الفرعون والذى يقود اليهود فى رحلتهم عبر صحراء سيناء وعلى أحد جبالها يتلقى التوراة." وقتها رفض رئيس هيئة الآثار د. شحاته آدم المشروع وقال أن العلماء الذين إعتمدوا فى بحوثهم على إثبات ما فى التوراة أثبتت الكشوف الأثرية خطئهم, كما أن هذا الفيلم سيتناول فرعون موسى والإسرائيليون يعتقدون أنه رمسيس الثانى وهو خطأ لم يثبت صحته.
وإذا كنا مع إلغاء الرقابة على الإبداع وترك الحكم على العمل الفنى للمتلقى إلا اننا فى هذه الحالة مع منع هذا الفيلم, فإذا كانت إسرائيل تمنع اعمال الموسيقى ريتشارد فاجنر من العزف فى اراضيها لمجرد ان عدوهم هتلر كان يسمع اعماله ويحبها, فكيف نسمح نحن بعرض ما يشوه تاريخنا والذى نفخر به على الإنسانية كلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق