Translate

الأحد، 21 ديسمبر 2014

هيبة الدولة

الكل يتحدث عن هيبة الدولة وضرورة إستعادته, رئيس الوزراء ناقشها فى اول إجتماعات حكومته, والتليفزيونات نقلت صوراً للمحافظين ومديروا الأمن وهم يقودون حملات إزلة التعديات على أراضى الدولة وإشغالات الباعة الجائلين إستعادة لهيبة الدولة, والمثقفون والسياسيون والمواطنون الكل يريد إستعادة هيبة الدولة.
فماهى هيبة الدولة؟
الهَيْبَةُ من المهابة، وهي الإجلال والمخافة والتعظيم، وهاب فلان حذره وخافه, فهيبة الدولة هنا هى الإحساس بالتهيب الذى تبثه الدولة في نفوس أبناء الشعب فيردعهم ويمنعهم من تحديها أو انتهاك نظامها، لإقتناعهم بأنهم إن فعلوا فسيلقون عقابا رادعا.
ولكن هذا لايعنى أن تكون الدولة قمعية بوليسية تسلطية, نعم الدولة هى صاحبة الحق الحصرى فى إستخدام القوة والعنف فى المجتمع, ولكنه العنف المنظم والذى يتم فى إطار القانون لضبط حركة المجتمع وتنظيمها وتحقيق مصالح وغايات غالبية أبناء هذا المجتمع, وفى هذه الحالة يكون الخوف من الدولة فقط للخارجين على القانون والمهددين لكيان الدولة ولحقوق أفرادها فى الحياة الحرة الكريمة.
فى الأنظمة القمعية يشعر المواطن بالخوف والرعب من الدولة وأجهزتها لأن الدولة فى هذه الحالة قوة غاشمة باطشة تنتهك الحريات والحرمات, فيهان المواطن ويذل وفى أحيان كثيرة يموت بلا جريرة سوى تسلط أجهزة الدولة لإشاعة الخوف حماية لأصحاب النفوذ والسلطة ومحتكرى الوطن ومقدراته, ومحتكرى صكوك الوطنية يعطونها أوينزعونها حسب أمزجتهم وأهوائهم ومصالحهم.
أما فى الأنظمة الديمقراطية  فالمواطن العادى لا يشعر بالخوف من الدولة فالعلاقة بينهما تبنى على الإحترام والتقدير المتبادل, فالدولة هنا تكون هى القوة العادلة التى تنتصر للمظلوم والتى تحمى الحقوق والأعراض والممتلكات, والمواطن هو صاحب الدولة ومقدراتها والذى تعمل كل أجهزتها ومؤسساتها لتحقيق مصالحه.
أذن كيف يمكن للدولة ان تستعيد هيبتها المفقودة؟
الخطوة الأولى هو بأن تستعيد هذه الدولة احترامها, والدولة المحترمة هى الدولة التى تحترم مواطنيها لأنهم هم أصحاب السلطة والثروة فيها, والمواطن المصانة كرامته وحريته وحرماته هو الذى يحترم دولته, اما المواطن المهان المنتهكة حريته وحرماته فهو قد يخاف من الدولة واجهزتها ولكنه بالتأكيد لن يحترم الدولة أو ممثلى مؤسساتها المختلفة.
هيبة الدولة الحقيقية تكون فى قدرتها على القيام بوظائفها كتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها من صحة وتعليم وأمن لأن غياب مثل هذه الخدمات يعنى غياب الدولة نفسها وليس مجرد هيبتها.
, والدولة تكون محترمة ومهابة كذلك عندما تصبح مؤسساستها وأجهزتها عامة غير محتكرة من قبل طائفة أو طبقة أو حزب أو تيار فكرى واحد, فهى دولة كل المصريين لاتميز بينهم بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو الطائفة أو التوجه الأيديولوجى, الكل مصريون متساوون فى الحقوق والواجبات.
هيبة الدولة تكون فى عدالتها فى توزيع وتوافر الفرص بين أبنائها فلا محاباة ولاكوسة ولامحسوبية ولاتوريث للوظائف والمناصب, ولا إحتكار لها من قبل عائلات أو طبقات بعينها فى المجتمع, فيمكن لإبن فلاح فقير متفوق ان يحقق حلمه بالعمل وكيلاً للنيابة او فى القضاء او فى السلك الديبلوماسى طالما هو كفء ومستحق لذلك.
هيبة الدولة تكون فى الفصل بين مختلف سلطاتها, فالدولة مجموعة من المؤسسات التى تعمل مستقلة عن بعضها فى إطار الدستور الذى ينظم العلاقة بينها وبحيث لا تطغى إحداها على الآخرين, فالدولة ليست شخص ولاحزب ولاجماعة.
فالدولة أكبر من رئيس الجمهورية ومن الحكومة ومن حزب الأغلبية ومن جماعات الضغط والمصالح, فرئيس الجمهورية أعلى موظف فى الجهاز الإدارى للدولة, والحكومة هى السلطة المنوط بها إدارة الدولة لتحقيق مصالح مواطنيها, وحزب الأغلبية هم ممثلوا الشعب المنتخبون المنوط بهم رقابة الحكومة ووضع التشريعات اللازمة لإدارة شئون البلاد, والكل يعملون فى خدمة الشعب ويخضعون لمشيئته ولمساءلته.
هيبة الدولة تكون فى سيادة القانون فيطبق على الجميع على الكبير قبل الصغير, من اول رئيس الجمهورية وحتى أصغر موظف فى الجهاز الإدارى للدولة, فالإستثناءات وتحول عملية تطبيق القانون الى عملية إنتقائية يفلت منها أصحاب النفوذ والمصالح والوسايط لاتضيع هيبة الدولة فقط وقدرتها على بسط نفوذها ولكنها تضيع الدولة نفسها.

هيبة الدولة مفهوم كبير لايجب إختصاره فى الحل الأمنى والتعامل العنيف مع بعض الضعفاء عديمى النفوذ ولايجب ان ننسى ان ثورات الربيع العربى التى إشتعلت فى تونس وإمتدت نيرانها لتحرق أنظمة الحكم المستبدة فى مصر وليبيا وسوريا واليمن كانت شرارتها الأولى هى صفع شرطية تونسية لمحمد البوعزيزى بائع الخضروات المتجول فى أحد أسواق مدينة سيدى بوزيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق