Translate

الأحد، 21 ديسمبر 2014

مستعد أموت لأسمع ما أكرهه

مشوار طويل قطعته الإنسانية لتفهم معنى حرية التعبير, ولتدرك اهمية فتح الأبواب والنوافذ أمام الرأى الآخر مهما كرهناه او تصورناه تافها أوبغيضاً, لأنه ربما كان هو الصوت الوحيد الذى سيغير العالم كله.
يذكر التاريخ أن سقراط فى سنه 399ق.م خير بين تنفيذ حكماً بإعدامه, وبين قضاء بقية حياته فى الإهتمام بشئون نفسه, وتجنب إثارة الجدل بين الناس, بعدما أتهم بإفساد الشباب, والتحريض على ديمقراطية أثينا, قرر سقراط وقتها أن شرب السم أهون عليه من هذا النوع من الحياة.
بعد مئات السنين تكرر الأمر مع جاليليو جاليلى( 1564- 1642م), عندما إكتشف أن الأرض تدور حول الشمس, فحاكمته كنيسة روما الكاثوليكية عام ( 1623م) لأن ما يقوله يخالف معتقدات رجالها بأن الأرض هى محور الكون, وفرضت عليه إما الإعدام أوالتراجع عن أفكاره علناً, إختار التراجع, فوضع تحت الإقامة الجبرية فى بيته, ومنع من مناقشة أفكاره حتى توفى, ولم تعد الكنيسة له إعتباره الإ فى عام   2008 بمناسبة مرور 400 عام على إختراعه التليسكوب.
من مثل هذه التجارب تبلور الفكر الليبرالى عن حرية التعبير وأهميتها للفرد وللمجتمع وللإنسانية كلها, فيقول الفيلسوف السياسى جون ستيوارت مل (1806-1873م)  فى كتابه (عن الحرية) " لو إجتمع البشر جميعاً على رأى وخالفهم فى هذا الرأى فرد واحد ماكان لهم أن يسكتوه, بنفس القدر الذى لايجيز له إسكاتهم لو كانت له القوة والسلطة".
وحجة جون إستيوارت فى ذلك هى  أننا إذا أسكتنا صوتاً واحداً فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة, كما وأن أى شخص يسكت شخصاً آخر لأنه يرى أن أراءه خطأً, هو شخص يعتقد فى نفسه العصمه, وهو شئ يتناقض مع الطبيعة البشرية, فجاليليو كان محقاً عندما قال أن الأرض تدور حول الشمس عام 1633م بينما بابا روما الذى أسكته كان هو المخطئ.
وإيماناً من الدول بحق أفرادها  فى التعبير عن أرائهم, ولحماية هذا الحق من عصف السلطات والحكومات المختلفه التى لن يعجبها تعرض سياساتها وأفرادها للإنتقاد جاء التعديل الأول فى دستور الولايات المتحده الأمريكية 1791م , والذى ينص على " لايصدر الكونجرس أى قانون يحد من حرية التعبير أو الصحافة, أو من حق الناس فى الإجتماع سلمياً, أو مطالبتهم الحكومة إنصافهم من الإجحاف".
لقد أصبح حق التعبيرضرورة مهمة لفعالية الديمقراطية, فلكى يستطيع المواطنون إتخاذ القرارات الصائبة, يكونوا محتاجين إلى التعرض إلى كم كبير من الأفكار والآراء, وحرية التعبير هى التى تسمح لهم بالتعرض لكم من الأفكار والآراء من أشخاص مؤمنون بها, كما وأن القوانين والسياسات لاتكون شرعية إلا إذا طبقت من خلال عملية ديمقراطية, ولا تكون العملية ديمقراطية إذا منعت الحكومة شخصاً من التعبير عن معتقداته بشأن ما يجب أن تكون علية هذه القوانين والسياسات.
ثم جاء الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعلنته الأمم المتحده سنة 1948م وفى مادته رقم(19) ليؤكد هذا الحق لكل البشر على سطح الأرض, وليلغى أى وصاية يمكن أن تفرضها سلطة حاكمة او ديكتاتور على الناس, وقال "لكل إنسان الحق فى حرية التعبير, ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء دون أى تدخل, وإستقاء الأنباء وتلقيها وإذاعتها بأى وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
لم يعد من حق أى شخص أو جهة أو سلطة فرض ما تراه صواباً على شخص بالغ, وأصبح لكل بالغ عاقل حق تقرير أسلوب حياته, وأفكاره ومعتقداته, بل وحرية إرتكاب الأخطاء, فالإنسان يتعلم من أخطاءه أيضاً.
لقد بات راسخاً أن تقييد حرية التعبير فى المجتمعات الديمقراطية, وهى تشمل التظاهر والإحتجاج السلمى, بكافة أشكاله, أو حرية الفرد فى إبداء رأيه والإستماع إلى ارآء الاخرين يعنى إنتهاكاً لإستقلالية الإنسان وكرامته, وإحترامه كفرد عاقل قادر على التفكير وإتخاذ قراراته بنفسه.
لذلك أصبح من مبادئ الديمقراطية والليبرالية الراسخة هى عدم منع رأى لمجرد أننا نراه تافهاً أو بغيضاً أو حتى مسئ, أو لأنه لايعجبنا, فلامعنى للديمقراطية إذا كنا نعنى بحرية التعبير, حرية التعبير لمن يتفق معنا فى الأرآء فقط, وتحمى الدول هذا الحق للمعارضين حتى حتى لا تنزلق فى منحدر الإستبداد والديكتاتورية بزيادة الممنوعات والمحظورات فى ممارسته,  و الضابط  الأكبر والأهم لتقييد حرية التعبير والإحتجاج هو منع التحريض على العنف, والحض على الكراهية, فحرية التعبير والإحتجاج تتوقف عندما تخرج عن سلميتها وتهدد سلامة وأمن وحياة الآخرين.
وقديماً قال فولتير(1694- 1778م) " أكره ما تقول ولكننى سأدافع حتى الموت عن حقك فى أن تقوله







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق