Translate

الأحد، 21 ديسمبر 2014

نوح و فتوى تحريم تشخيص الأنبياء


85 عاماً مرت بين تدخل الأزهر لأول مرة فى الحياة الفنية عام 1926م لمنع يوسف وهبى من تمثيل شخصية الرسول الكريم فى فيلم تركى إسمه( محمد رسول الله) وبين تدخل الأزهر الأخير لمنع عرض الفيلم الأمريكى (نوح)بطولة راسل كرو وإخراج دارين ارنوفيسكى.
85عاماً تغيرت فيها أشياء كثيرة فى الدنيا, تقدم تكنولوجى غير فى حياة الناس, وفى طرق معيشتهم, ووسائل تلقيهم للأفكار والآراء والمعارف والعلوم مما استوجب معه تطوير وأحياناً تغيير بعض المواقف والآراء والأفكار القديمة, والتى كانت تبدو من المسلمات.
تغيرت الدنيا من حولنا وتغيرنا معها مضطرين, ولم يتغير موقف ولامنطق المؤسسة الدينية المصرية العريقة, فعن المرة الأولى التى تدخل فيها الأزهر لمنع عمل فيلم كتب يوسف وهبى فى مذكراته " كان أول واجب علّى أن أستشير بعض علماء الدين وقد جوزيت على قلة إدراكي جزاءًا صارمًا، فقد ثار السادة رجال الأزهر .. وثار معهم الرأي العام .. ظهرت في الصحف فتوى من شيخ الأزهر أساسها أن الدين يحرم تحريمًا باتًا تصوير الأنبياء والرسل ورجال الصحابة رضي الله عنهم، وبعث إلى الملك فؤاد تحذيرًا قاسيًا مهددًا إياي بالنفي وحرماني من الجنسية المصرية ".
وهذه المرة الأخيرة أصدر الأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بيانًا مشتركًا لمنع عرض فيلم (نوح), أكدوا فيه رفضهم لعرض أي أعمال تجسد أنبياء الله ورسلَه وصحابة رسول الله، صلَى الله عليه وسلم, لأن هذه الأعمال تتنافى مع مقامات الأنبياء والرسل، وتمس الجانب العقدي وثوابت الشريعة الإسلامية، وتستفز مشاعر المؤمنين وتعد حرام شرعًا.
وقد حاول عبد الحميد جودة السحار الإجابة على السؤال "لماذا يغضب المسلمون من تمثيل الأنبياء على الشاشة بينما يعد ذلك شيئاً عادياً عند اليهود والمسيحيين وذلك فى مقال نشره فى عدد ديسمبر من مجلة (الهلال) 1970م قال فيه: أخرجت السينما العالمية كل قصص أنبياء التوراة على الشاشة وإخراج أفلام من الكتاب المقدس لا يثير لغطًا في الخارج، فقد اعتاد المؤمنون اليهود والمسيحيون أن يروا قصص التوراة والإنجيل مصورة وأن تصنع التماثيل للأنبياء جميعًا وإن كانت صناعة تماثيل الأنبياء محرمة في الديانة اليهودية .. صور الأنبياء في كل مكان في الفاتيكان وفي الكنائس المنتشرة في الشرق والغرب، فظهور الأنبياء على الشاشة لا يؤذي شعورهم الديني، أما في الدول الإسلامية فالأمر على نقيض ذلك .. فالتماثيل حرمت في الإسلام خشية الارتداد إلى الوثنية ولم يحاول الفنانون المسلمون أن يتخيلوا صورًا للأنبياء اللهم إلا في إيران، هناك صور متخيلة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم .. أن فكرة ظهور الأنبياء على شاشة السينما تثير النفوس وتحرك مراجل الغضب.
على جانب آخر أصدرت "جبهة الإبداع المصري"و التي ينتمى لها عشرات المثقفين والفنانين بياناً يستنكر موقف الأزهر من فيلم (نوح), ويطرح عدداً من الأفكار المهمة حول دور الأزهر وموقفه, وكان من بينها أن فكرة تحريم تصوير وتجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية لا تتعدى اجتهاداً من الشيوخ والفقهاء، مما يفتح باب الإجتهاد فيها.
وأن دور الأزهر أو الكنيسة و المؤسسات الدينية عموماً يجب أن يكون الدعوة للدين وليس فرض ما يرونه صحيحًا بالقوة, فإن كان الأزهر إن يرى في فيلم (نوح) معصية، فدوره أن ينهى الجمهور عن رؤيته أو يحذر منها، فقط دون المطالبة بمنعه, وذلك احترامًا لتعددية المجتمع، وأن هذا العمل الذي يرفضونه دينيًا ليس مرفوضًا لدى معتنقى الديانات الأخرى المعترف بها.
وبعيداً عن بيان جبهة الإبداع يقول التاريخ أن هوليود بنت مجدها فى عشرينات القرن الماضى بتقديم قصص أنبياء الله من العهد القديم, وفى مصر كان فيلم ( ظهور الإسلام)وهو  للمخرج إبراهيم عمارة هو اول فيلم دينى, وقد لقى نجاحاً جعل صاحبه يعتزل العمل ليستمتع بالثراء الذى حققه منه, كما وان التاريخ أثبت أن موقف الأزهر الذى لم يتغير منذ 85 سنة, والذى تسبب فى منع عرض فيلم (الرسالة) عام 1976 لظهور شخصية حمزة عم الرسول فيه لم يمنع الناس من رؤيته على شرائط الفيديو فى الثمانينات, وعلى شاشات الفضائيات فى العشر سنوات الأخيرة, كما وان تحذيرات الأزهر بمقاضاة القنوات التى تعرض مسلسل( الحسن والحسين) لم تمنع الناس من مشاهدته, ومشاهدة المسلسلات الإيرانية عن نبى الله(يوسف الصديق) و(مريم العذراء).

وربما تكون ازمة (نوح)فرصة للأزهر لإعادة طرح موضوع الدراما الدينية للنقاش, فالسينما وسيلة إعلام شديدة الجاذبية والتأثير ويجب إستخدامها فى الدعوة خاصة فى زمن يعتمد فيه الكثيرين على المشاهدة أكثر من القراءة, كما وأن التاريخ الإسلامى ملئ بالشخصيات التى تصلح للتقديم بشكل درامى كقدوة ونموذج يحتذى فى السلوك وطريقة التفكير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق