Translate

الأحد، 21 ديسمبر 2014

خدش سمعة الوطن

قرر المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء وقف عرض فيلم ( حلاوة روح) وإعادته للرقابة على المصنفات الفنية مرة أخرى لتقرر ما ترى فى شأنه, والقرار سليم من الناحية الإدارية لأن رقابة المصنفات الفنية هى إحدى الإدارات التابعة لوزارة الثقافة, ورئيس الوزراء هو ثانى أعلى درجة فى الهيكل الإدارى للدولة بعد الرئيس, ولكن من ناحية أخرى تدخله بهذا الشكل سوف يصيب باقى مرؤسيه بداء الأيدى المرتعشة فلا يقدمون على إتخاذ أى قرار معتاد فى عملهم خوفاً من المحاسبة من الرئيس الأعلى من كل رؤسائهم المباشرين.
كما وأن تدخل رئيس الوزراء لوقف عرض فيلم يجعله يعطى لنفسه صفة ولى الأمر للشعب بمختلف فئات أفراده و اعمارهم وثقافاتهم فيحدد لهم ما يجب ان يرونه وما لايجب ان يروه حفاظاً على أخلاقهم, وهذا منطق غير سليم, فرئيس الوزراء لايجب أن يحدد لرجل تجاوز الستين من عمره ويعمل صحفياً أو أستاذاً جامعياً ما يجب أن يراه حفاظاً على اخلاقه.
كما وأن هذا الفعل يشكل سابقة لرؤساء الوزراء بعده إذا أحبوا ممارسة نفس دور أولياء أمور الشعب حفاظاً على اخلاقهم ودينهم, ومطالب بعض النواب السابقين من التيار الإسلامى بحذف القبلات من الأفلام القديمة ليست ببعيدة.
و سلوك الناس وتصرفاتهم  المرتبطة بعاداتهم وثقافتهم وتربيتهم طالما لم تخرق قانون العقوبات لايجب أن يكون  للحكومات أو أى سلطة أخرى اى دور فى تنظيمها, فإختلاف الثقافة والذوق والمعتقدات تلزم الدولة بالمحافظة على هذا التنوع وعدم فرض نمط معين للسلوك او الأخلاق من وجهة نظر القائمين عليها.
وعملياً الرقابة على الفن فى عصر الإنترنت لم تعد مجدية, فعن طريق البحث فيها يمكن الوصول إلى كل الأعمال الممنوعة بسهولة.
وفلسفياً يحظى الفن بمختلف أشكاله وأنواعه بهامش حرية كبير نسبياً لتمكن الفنان من مناقشة الكثير من الأفكار والمسلمات والمحظورات فى المجتمع بوجهات نظر ورؤى يمكن أن تكون جديدة, وفرض الرقابة على الفن والفنانين تعنى توقف تجدد الثقافة  وحيويتها وتطورها, وهى التى تنتقل عبر الأجيال حامله قيم المجتمع وأفكاره, وعلى رأسها حرية التعبير وحرية الإبداع.
قد يبدو مثل هذا الكلام لاينطبق على فيلم تجارى من إنتاج السبكى, عبارة عن خلطة تجارية تعتمد على الرقص والغناء الشعبى والإفيهات والمشاهد الجنسية لأيقونة الإثارة هيفاء وهبى, ولكن الواقع أن الدفاع عن حرية التعبير وحرية الفن يجب أن تشمل كل الإعمال الفنية بما فيها الغث والتافه والرخيص.
لم يكن فيلم (حلاوة روح) هو أكثر الأفلام جرأة التى وافقت الرقابة على عرضها, فبعد سقوط حكم الإخوان ظن السينمائيون ومن بعدهم موظفوا الرقابة أن الأجواء مهيأة لخروج المشروعات السينمائية الجريئة المركونة فى الأدراج من سنوات والتى تخوض فى تابوهات لم تجرؤ السينما على الإقتراب منها حتى قبل حكم مرسى, ولم يكن الغرض غالباً هو تقديم أفكار سينمائية جديدة أومناقشة قضايا مسكوت عنها, كان الغرض أحياناً هو حجز عناوين لموضوعات ساخنة تجذب الجمهور لشباك التذاكر, فأعلنت إيناس الدغيدى حصولها على موافقة الرقابة على سيناريو فيلم (الصمت) الذى يناقش زنا المحارم, كما وافقت الرقابة على عرض فيلم(أسرار عائلية) والذى ناقش العلاقات المثلية.
ورغم الضجة الإعلامية التى صاحبت عرض (اسرار عائلية) إلا أنه سقط جماهيرياً ولم يحس بة أحد, ولكن المشكلة فى فيلم (حلاوة روح) هى أنه حقق رواجاً جماهيرياً فى وقت يعانى فيه الوطن ومواطنيه إقتصادياً ونفسياً وسياسياً, فظهرت المفارقة وكانت المقارنة وسخونة التعليقات التى أدت إلى وقف عرضه.
فهل خدش الفيلم حياء الوطن والمواطنين مما إستوجب تدخل رئيس الوزراء شخصياً, الحقيقة ان حياء الوطن والمواطنين لايخدشه فيلم هابط أو به مشاهد عارية لممثلة, فنحن الذين نذهب للسينما بإرادتنا, كما علمتنا التجارب القديمه خطأ هذا الإعتقاد, فقد سبق وحوكم الرقباء الذين أجازو فيلم (المذنبون) 1976م بحجة ان الفيلم يسئ لصورة مصر ولما تدعو له الدولة, كما منع  أحد وزراء الثقافة عرض فيلمى (درب الهوى) و( خمسة باب) عام 1983م بحجة انه وصلته رسائل من مغتربين مصريين فى الدول العربية يشكون فيها من ان الفيلمين يشوهان صورة مصر, لأن قصتاهما تدوران فى حى البغاء فى القاهرة قبل إلغاء هذه المهنة عام 1949م, ولكن هذا لم يمنع الناس من رؤية هذه الأفلام على شرائط الفيديو فى هذا الزمان وعلى قنوات الأفلام هذه الأيام.
فكرة أن فيلماً يمكن أن يسئ لسمعة مصر أو لصورتها فكرة خاطئة من الأساس, فالفيلم الضعيف والتافه أوالذى يستغل جسد ممثلة او أجواء المخدرات لايسئ لمصر ولكنه يسئ لصناعه, فالفيلم عمل فنى لايحكم عليه إلإ بالمقاييس الفنية فقط, أما الذى يخدش سمعة الوطن فعلاً فهو قيام الدنيا فيه من اجل فيلم تافه.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق