Translate

الأحد، 21 ديسمبر 2014

(حلاوة روح) فن ولامناظر؟

مازالت أزمة منع رئيس الوزراء إبراهيم محلب لعرض فيلم (حلاوة روح)لبطلته هيفاء وهبى مستمرة, مؤيدوا منع الفيلم بينهم مثقفون وإعلاميون كبار كفاروق جويده والمفاجاة أن فيهم فنانون مثل محمد صبحى وعزت العلايلى وآثار الحكيم, وكان من ضمن ما أثاروه فى معرض هجومهم على الفيلم قضيتى دور الفن فى المجتمع, وعلاقة الفن بالأخلاق, والمسألتان جديرتان بالمناقشة.
علينا أولاً أن نعرٌّف معنى الفن, ثم نبحث تأثيره  وأهميته للإنسان الفرد ولمجتمعه وللإنسانية كلها, ثم علاقته بالأخلاق, ثم لماذا يجب السماح بعرض الفيلم حتى لو إتفقنا إنه مسف.
الفن عموماً بأنواعه السبعه (العمارة, الموسيقى, الرسم, النحت, الشعر, الرقص, السينما) له تعريفات كثيرة, فتراه غالبية الناس  محاولة لمحاكاة الواقع, وكلما إقترب من هذا الواقع كلما كان ناجحاً ومؤثراً, ويرى فيه البعض محاولة إنتقائية لتصوير الواقع من خلال ذات الفنان لإيصال رسالة للمتلقى, أما الفلاسفة فيرون ان الفن نشاط إبداعى من خيال الفنان وعقله وليس شرطاً أن يكون له شبيه أوظل فى الواقع, لكن لايمكننا أن نسمى هذا النشاط  الإبداعى سواء كان قصيدة شعرية  أو مقطوعة موسيقية أو لوحة فنية أو بناء معمارى أو فيلم سينمائى بالعمل الفنى  إلا إذا أثار فينا عاطفة خاصة يطلق عليها الإنفعال الجمالى.
فنحن نتعرض لمثيرات كثيرة يمكنها ان تثير فينا مشاعر وإنفعالات كثيرة ومتباية عاطفية, دينية, إجتماعية, أخلاقية, جنسية وأنواع أخرى من الإنفعالات, ولكن الخاصية التى تميز العمل الفنى هى أن يكون هذا الإنفعال الذى يثيره فينا مرتبطاً بالمتعة والخيال والمعرفة والإنسانية, ومشاعر أخرى ربما يصعب وصفها بالكلمات ولكن تحس بها النفس المتذوقة للفن, ويتوقف مدى قوة هذه المشاعر على قوة وعمق وأصالة العمل الفنى.
والفنان هنا هو ذلك الموهوب الخبير فى صنع الإعمال التى تثير هذا الإنفعال الجمالى فيمن يتعرض لها.
والفن مهم  للإنسان الفرد وللمجتمع وللإنسانية كلها, فلأن حياتنا كأفراد قصيره, وغير كافية لخوض الكثير من التجارب التى نحتاج دروسها لمواجهة الحياة, لذلك نحن نحتاج خلاصة خبرات وتجارب غيرنا من البشر, سواء من عاشوا قبلنا, أو الذين يعيشون فى بيئات بعيدة عنا جغرافياً أو ثقافياً, أو الذين يعيشون بيننا ولكنهم يروا الأشياء بشكل مختلف عنا. معرفة وفهم مثل هذه التجارب يجعلنا نتغير, يجعلنا ننضج ونصبح أكثر حنكه وحكمة وسمو, يجعلنا أكثر فهماً لأنفسنا وللآخرين وللحياة وللعالم من حولنا, والفن يمنحنا هذه الخبرات بدون ان نتعرض للأذى او الضرر الذى قد ينجم عن التجربة.
والفن هو أكثر نشاط إنسانى عابر للحدود الجغرافية, وعابر للأزمنة والعصور فيربط بين الأجيال المتعاقبة, وبين الأمم المختلفة والشعوب المتباعدة, فالفن وسيلة إتصال بين أفراد لم يلتقوا أبداً.
لكن هل يمكن أن يكون الفن ضد الأخلاق؟ بعض الفلاسفة يرون أنه طالما يؤدى بنا الى حالة ذهنية خيرة فالفن خير فى حد ذاته, ولكن على جانب آخر يرى آخرون أنه ليس كل الفنانون مهمومون بإنتاج الغذاء الروحى للبشر, فمن بينهم من تحركهم دوافع نفعية ذاتية, والفن بالنسبة لهم مجرد سلعة يبيعونها أى أنهم يتبعون المال.
وفى حالة فيلم (حلاوة روح) يمكن أن تكون مزاعم مهاجميه أنه فن مغشوش بالجنس والعرى والقيم الفاسدة, فهل فى هذه الحالة تتدخل الدولة لحماية الناس من هذا النوع من الفن المدمر للأجيال وللأذواق.
الحقيقة أن الدولة وموظفي جهازها الإدارى ليسوا نقاداً فنيين يمكنهم تحديد أصالة العمل الفنى من عدمه, ولأننا إتفقنا أن الإنفعال الجمالى من الفن هو إحساس شخصى وذوق يختلف من فرد لآخر, لذلك يصعب وضع قواعد محدده له يطبقها موظف على كل عمل فنى ليقرر إجازة عرضه أو منعه, وتدخل الدولة فى الإبداع بحجة حماية الأخلاق يعطيها المبرر للتدخل لمنع كل ماليس على هواها, أو كل ما يحمل أفكار وارآء لاترضى عنها.
ولكننا نستطيع فقط أن ندرب الناس على تذوق الفن, على فهم مواطن الجمال الفنى فيه ومواطن ضعفه, فالذائقة الفنية تنمو وتتطور بالمعرفة لقواعد بناء العمل الفنى, ولقواعد تحليله, وبرؤية مختلف أنواع هذه الأعمال, فالمتلقى وحده هو الذى يقرر إذا كان ما يتعرض له عمل فنى أو محاولة لإستغلاله وإستغفاله وسرقة أمواله, وفى حالة فيلم (حلاوة روح) المشاهدون فقط هم من يحددون ما إذا كان الفيلم عملاً فنياً محترماً أو هو مجرد شوية مناظر للبطلة المثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق