Translate

السبت، 23 أبريل 2011

ناصر 56 ومشروع الأحلام السينمائية المؤجلة


ناصر 56 ومشروع الأحلام
السينمائية المؤجلة

عندما ذهبت لأرى فيلم ( ناصر 56 ) سألت نفسي عن سبب الزحام الجماهيري غير العادي .. هل هو عبقرية ممثل نجح في تجسيد شخصية الزعيم جمال عبد الناصر أم عبقرية مؤلف ومخرج نجحا في تنفيذ فيلم سينمائي جيد توافرت له عناصر إنتاجية لم تتوافر لفيلم قبله .. أم أن الناس يبحثون عن رائحة الماضي ليستعيدوا زمن الحلم الجميل الذي عاشوا به وعاش معهم .. ( ناصر 56 ) هو بحق أهم فيلم سينمائي مصري حتى الآن .. رغم أنه ينتمي للدراما التسجيلية التي تستمد مادتها من التاريخ تختلف في تفسيره وتعطي نفسها حرية رسم الدوافع والأهداف ولكنها تلتزم في النهاية بالتاريخ وأحداثه .
اختيار محمد فاضل للأفلام الأبيض والأسود كان موقفا فأعطى الاحساس بوثائقية الأحداث وبزمنها القديم وقد برع في تجسيد دقائقه الصغيرة من ملابس الممثلين وحتى السيارات والمباني خاصة ميدان المنشية لحظة إعلان عبد الناصر قرار التأميم فيه . واختيار فاضل زوايا للتصوير تماثل الزوايا الموجودة للحدث في الأفلام الوثائقية القديمة وفي صحف ومجلات عصرها .
ـ يصور محفوظ عبد الرحمن أحداث أخطر مئة وثمانية أيام في تاريخ مصر الحديثة والتي ولدت فيها زعامة جمال عبد الناصر عربيا وعالميا فتحول بفضلها من مجرد قائد لثورة في بلد كانت محتلة لأكثر من إثنين وسبعين عاما إلى زعيم عالمي استطاع أن يهزم الامبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس ويحولها إلى قوى من الدرجة الثانية وأسقط رئيس وزرائها ( أنطوني إيدن ) وفعل الشئ نفسه في ( جي موليه ) رئيس الوزراء الفرنسي الذي تورط في مساندة بريطانيا في عدوانها على مصر .. اختار محفوظ عبد الرحمن لحظات ولادة قرار تأميم قناة السويس بعدما سحبت أمريكا عرضها بتمويل بناء السد العالي بكل ما سبقه من تحضير ودراسات وملابسات بداية من جمع عبد الناصر لكل ما كتب عن قناة السويس وحق مصر فيها خاصة دراسات د. مصطفى الحفناوي مرورا بمناقشاته مع أعضاء مجلس قيادة الثورة ومجلس وزرائه وأعضائه فتحي رضوان وأحمد حسن الباقوري ثم قراره الذي أغلنه من ميدان المنشية بإعلان شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية .. وما تزامن معه من خطة للستيلاء على منشأت القناة الحيوية ثم إدارتها بواسطة المرشدين المصريين واليونانيين بعد إنسحاب المرشدين من الجنسيات الأخرى .
ـ اعتمد محفوظ عبد الرحمن على التسلسل الزمني للأحداث المتلاحقة في تلك المرحلة ووضع بعض الشخصيات الدرامية كحسن حسني وأمينة رزق كرموز للأسباب والمبررات لتأميم القناة فحسن حسني موظف فس شركة القناة يفصل لأنه تجرأ وقال إنها دولة داخل الدولة .. وأمينة رزق هي الرمز لكل المصريين الذين سالت دماء أبائهم وأجدادهم في حفر القناة .. ويتوقف الفيلم عند بداية لحظات الصدام عندما تقرر انجلترا وفرنسا ومعهما اسرائيل مهاجمة مصر فيذهب ناصر إلى منبر الجامع الأزهر يخطب في الناس ( سنقاتل .. سنقاتل ) وينشرخ صوته وهو يصرخ .. برع جميع الممثلين وعلى رأسهم أحمد زكي الذي استطاع أن ينسينا أنه يمثل بعد بداية الفيلم بدقائق معدودة وتركنا نعيش مع عبد الناصر .
ـ الفيلم تحفة فنية غير مسبوقة في تاريخنا السينمائي كله وتفتح المجال أمام التليفزيون وقطاع الانتاج فيه لعمل سلسلة من الأفلام المماثلة عن كل لحظات البطولة في تاريخنا الحديث والتي تحتاج إلى إعادة تجسيدها وتخليدها ..بداية من معارك الصمود في رأس العش ثم حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر وبطولات السويس فالتجربة أثبتت أن الدولة فقط هي القادرة على مثل هذا النوع من الأفلام مضمون النجاح والجماهيرية وما أحوجنا إليها .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق