Translate

السبت، 23 أبريل 2011

سبق صحفي للقناة الثانية


سبق صحفي للقناة الثانية
تعرض القناة الثانية حاليا المسلسل الكندي " سكوب "  وترجمتها " سبق صحفي ", وهو يتناول الحياة اليومية لصحفي ومحرري جريدة إسمها الإكسبريس .. والعمل مفاجأة بالفعل سواء في مستواه أو في مصدره .. فالتلفزيون المصري ومنذ سنوات طويلة لا يعترف  الا بالدراما الأمريكية وأي مسلسل أو فيلم أجنبي هو بالضرورة أمريكي , والحالات النادرة التي يقدم فيها فيلم فرنسي يحرص على ذكر ذلك وبإستثناء حالات نادرة وكانت ناجحة جدا كالمسلسل الياباني " أوشين " والمسلسلين الاستراليين " أبناء وبنات " و " نساء خطرات " وبعض الأعمال البريطانية القليلة مثل " أب ستيرز دون ستيرز " , كان على التلفزيون سرعان ما يعود سيرته الأولى للأعمال الأمريكية ربما لكثرتها ورخص ثمنها , وهذا ليس مبررا كافيا أو مقبولا لأن التعدد في مصادر الدراما الأجنبية مهم ومطلوب ومفيد للتعرف على ثقافات وأفكار وفنون شعوب أخرى , فالدراما التلفزيونية والسينمائية هي التي تنقل أنماط السلوك والتفكير وتكرسها وتغرسها في مختلف الأجيال والأعمار, لذلك نجدهم في أوروبا وقد تنبهوا إلى ذلك ومنذ زمن يحاربون سطوة ونفوذ وإنتشار الدراما الأمريكية على شاشات تليفزيوناتهم وتأثيرها المدمر على الأجيال القادمة وعلى طرق تفكيرها , وإلى جانب تأثيرها في محو الثقافات والقيم وسائر مكونات الشخصية القومية للشعوب , كما قال المخرج الأسباني الكبير خوسيه لويس جاراسيا الذي كرمه مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام وكما قال بعض السينمائيين الفرنسيين في ندوة السينما الفرنسية والانتاج المشترك التي أقيمت على هامش المهرجان نفسه ,ولذلك تعمل الشعوب الاوروبية على تشجيع الدراما المحلية ودعمها .
وأعود لمسلسل " سكوب " هذا المسلسل الذي يتناول الحياة اليومية لمحرري جريدة ومن خلالهم يغوص في أعماق المجتمع الكندي بكل مشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية , بداية من فساد كبار رجال الأعمال أصحاب المشروعات النووية العملاقة ورشوتهم لبعض الصحفيين للسكوت عليهم تارة ولتحسين صورتهم وصور مشروعاتهم أمام الرأي العام تارة أخرى .
ومشاكل المهاجرين إلى كندا الذين يطمعون في الحصول على الجنسية الكندية ولكن تقف في طريقهم بعض التعقيدات القانونية التي يريد بعض الموظفين تطبيقها حرفيا دونما النظر إلى الجانب الانساني في الموضوع , ومشاكل نظرة المجتمع الغربي المتخلفة رغم تحضره الذي يدعيه إلى المرأة العاملة , ومشاكل المشردين والهائمين في تلك البلاد الغنية ويضطرون للسرقة لسد رمقهم ورمق أطفالهم لمعاناتهم مع السلطات الحكومية التي تفرض شروطا قاسية للحصول على ضمان إجتماعي .
ويتعرض كذلك المسلسل إلى مشاكل المهنة ـ صاحبة الجلالة ـ ومتاعبها بداية من رفت الصحفيين تحت التمرين لمقتضيات توفير النفقات , إلى المشاكل اليومية التي يصادفها الصحفيون في سبيل الحصول على الخبر والتحقق الصادق والتغطية السريعة للأحداث وعلاقة الصحافة بالمصادر ومتى تعلن ما وصلت إليه من معلومات حتى ولو كانت تمس أحد الزملاء أو أفراد عائلته , وكيف تحرك الرأي العام لكسب تعاطف شعبي لموضوع مطروح على الساحة , وعلاقة المحررين وعمال الطباعة بأصحاب الجرائد نفسها وكيفية حصولهم على حقوقهم المادية والأدبية حتى لو اقتضى الأمر الاضراب واحتجاب الصحيفة عن الظهور .
العمل رائع جدا ويقدم صورة حقيقية للصحفي في كل مكان بمتاعبه وهمومه ومتعته في عمله , ليت التلفزيون يهتم بمثل هذه النوعية من الدراما وليت الكتاب عندنا يتعلمون منها كيف تكون الدراما معبرة وصادقة عن مجتمعاتها وأفرادها , وليعرفوا منها صورة الصحفي الحقيقية وليس الصحفي الذي كثيرا ما نراه في أعمالنا الدرامية إنتهازيا ووصوليا وأشبه بالفرقع لوز .

 كركور المصري وكركور الكندي

قدم فؤاد خليل , صورة كاريكاتيرية للصحفي الفني كركور ـ لاحظ الاسم ومدلوله لنظرة الكاتب للصحفى - في مسلسل (أنا اللي أستاهل) -في نفس الوقت الذي قدم فيه فاروق يوسف شخصية صحفي أخر في مسلسل (هند والدكتور نعمان) والذي يعاد صباحا , والشخصيتان تطرحان أزمة الصحافة والصحفيين مع كتاب الدراما ومخرجيها سواء في السينما أو التلفزيون .. فالصحفي الأول كركور شخصية طفيلية غير محترمة تبحث عن الفضائح ويطارد الست الفنانة ويطلق عليها الشائعات ولا يحاول أن يفهم ما يدور حوله .. والصحفي الثاني مع الدكتور نعمان حشري شخصية غير محترمة سواء من ضباط الشرطة الذين يتعامل معهم أو من جيرانه في العمارة . وفي مسلسل (جواري بلا قيود) للكاتبة منى نور الدين رأينا بوسي الصحفية التي ما إن تذهب إلى الجريدة لتتمرن حتى تبدأ في كتابة المقالات , ولم نرها وهي تسعى وراء خبر أو موضوع أو تحقيق كما يحدث لكل صحفي في كل جرائد الدنيا ومجلاتها , فالصحفي لايتحول إلى كاتب إلا بعد سنوات طويلة من ممارسة عمله الصحفي ولكننا نرى الصحفية الناشئة وهي تجلس لتدبج مقالاتها التي تهد الدنيا كلها وكلما أعجزها شئ قامت لتكتب فيه مقالة .
وحتى في مسلسل ( دموع صاحبة الجلالة ) الذي كتب قصته الصحفي الكبير موسى صبري قدم لنا صورة مركبة ومعقدة لأكثر من عشرة صحفيين  فى شخصية محفوظ عجب بتركيبة لايمكن أبدا أن تحدث في الواقع , فإين ذلك الصحفي الذي يستطيع أن ينافق كل التيارات السياسية في فترة ما قبل الثورة بما فيهم من الضباط الأحرار , ثم يصبح لسان حالهم بعد الثورة بينما يظل على اتصالاته القديمة برجال العهد البائد كيف يحدث ذلك .. ألا يقرأ الناس ويفهمون ما يقصده الكاتب ويعرفون منه توجهاته وميوله وأراءه .. أفهم أن يغير الصحفي ولاءه وتوجهاته في فترات مختلفة من حياته لكن أن يتعامل مع أكثر اتجاه وفى نفس الوقت , فهذا أكثر  من احتمال كونه واقعا .
ولم تكن السينما بأحسن حالا من التلفزيون , ففي فيلم (إمرأة واحدة لا تكفي) نرى أحمد زكي في صورة الصحفي السوبرمان الذي يستطيع وحده الحصول على الانفرادات بأحاديث مع شخصيات هامة ويعيش في نفس الوقت ثلاث قصص حب مع ثلاث نساء من مستويات ثقافية وإجتماعية مختلفة .
وفي فيلم " قضية سميحة بدران " تقدم نبيلة عبيد شخصية صحفية سوبر أخرى توقع زوجها نفسه عندما تكتشف أن أعماله لا تتفق ومبادئها وأخلاقها,  ولم يقدم الصحفي بالصورة القريبة من واقعه إلا أستاذنا الكبير نجيب محفوظ في أعماله التي تحولت إلى أفلام سينمائية كشخصية عبد المنعم ابراهيم في (القاهرة 30) وشخصية كمال الشناوي الصحفي الانتهازي في فيلم (اللص والكلاب) .. وبرع فتحي غانم ومعه صلاح حافظ كاتب السيناريو في مسلسل (زينب والعرش) في رسم أجواء الصحافة وكواليسها وشخصياتها ونجح عبد الحليم في فيلم ( يوم من عمري ) في تقديم صورة واقعية لأن الفيلم كان منقولا بالمسطرة من الفيلم الأمريكي الشهير (أجازة في روما) .
الحقيقة أن صورة الصحفي التي تقدم في أعمالنا الدرامية تجعلني أحيانا أتساءل عن هذا التيار البايت بين كتاب الدراما ـ من غير الصحفيين ـ والصحفيين, بل إن ظني- وإن بعض الظن إثم ـ أحيانا ما يأخذني إلى أن بعض هؤلاء الكتاب يتعمدون تشويه صورة الصحفي لأنهم فشلوا في أن يكونوا صحفيين .. ولكنني أعود وأغلب حسن النية خاصة وبعضهم يبالغ في تصويره ملكات الصحفي وقدراته بما لايمكن أن يوجد فيه فأقول ربما هو الجهل بالحياة الصحفية والصحفيين,  لذلك فأنا أدعو كل هؤلاء لزيارة دور الصحف ومعايشة أهلها قبل الكتابة عنهم , وأدعوهم لمشاهدة المسلسل الكندي الرائع " سكوب " الذي لا أمل مشاهدته والكتابة عنه ليروا كركور الكندي الحقيقي الذي يعبر عن كل كركور في كل مكان .
 السبق الإعلامي والسبق الأخلاقي

حققت القناة الثانية أكثر من سبق صحفي وإعلامي ـ بغير قصد طبعا ـ بإذاعتها للمسلسل الكندي الرائع " سكوب " فقد تصادف أن الحلقات تدور في إقليم " كويبك " الذي كان مثار اهتمام كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة العالمية طوال الأسبوع الماضي حيث تابع الجميع الاستفتاء الذي أجرى هناك حول بقاء الإقليم متحدا مع كندا أو انفصاله عنها حيث يقطن فيه أغلبية ناطقة بالفرنسية وأقلية ناطقة بالإنجليزية مما يسبب حساسية شديدة لغالبية السكان هناك ولكن فشل الإنفصاليين في الإستفتاء بأغلبية ضئيلة .. وكان سبق القناة الثانية المصرية أن المسلسل يرسم صورة صادقة للمجتمع في " كويبك " وإن كان لم يتعرض بعد لمشكلة الانفصاليين .
أما السبق الصحفي الثاني فكان تطابق بعض أحداث المسلسل مع واقعة حدثت للملكة اليزابيث نفسها وكانت مسار حديث الدنيا كلها فهي تثير قضية مدى حرية الصحفي أو الإعلامي في الحصول على سبقه الصحفي بإيهام مصدره بحقيقة غير حقيقته ونشر تلك المعلومات مع ما قد يسببه ذلك من ضرر أو أذى للمصدر قد يصل في بعض الأحيان إلى درجة التدمير التام لشخص المصدر .
ففي أحداث المسلسل استطاع الصحفيين تسجيل مكالمة تليفونية مع عميلة سابقة للمخابرات تفضح فيها أسرار إحدى عملياتها الشهيرة وكان كشف شخصية الجاسوسة في كندا بعد كل سنوات عملها السري يهدد بتدمير حياتها ومع ذلك أعلنت لها رئيسةتحرير الجريدة أن السبق الصحفي سينشر ولم تقبل رجاءها في تأجيل النشر ولو ليوم واحد , أما الأحداث الحقيقية التي وقعت لملكة بريطانيا فكانت عشية يوم الاستفتاء والجميع يضعون أيديهم على قلوبهم تحسبا لنتائجه وكل طرف سواء كان من الإنفصاليين أو من أنصار الوحدة يعمل ما في وسعه لترجيح كفته , واستطاع مذيع شاب في إحدى محطات الإذاعة الكندية اسمه " بيير براسار " 29 سنة الاتصال التليفوني بالملكة اليزابيث وأقنعها أنه " جان كريتان " رئيس وزراء كندا وأنه يطلب مشورتها ورأيها في الاستفتاء وتحدثت الملكة بصراحة وحرية وأقنعها رئيس الوزراء المزيف بضرورة إلقاء خطاب تحث فيه الشعب في " كويبك " على عدم الانفصال عن كندا ووافقت الملكة على أن يرسل هو نص الخطاب وبذلك أظهر المذيع الشاب ملكة بريطانيا ورئيسة الكومنولث الذي يضم انجلترا وأيرلندا وكندا واستراليا وجبل طارق بمظهر الساذجة أمام الجماهير ورغم أن المذيع الصغير سيدخل التاريخ بإعتباره أول إعلامي يظفر بحديث من ملكة بريطانيا منذ توليها الحكم عام 1953 إلا أن الحدثين الدراميين في مسلسل " سكوب " الكندي والحقيقي مع الملكة يفجران كما قلت قضية حرية الصحافة وأخلاقياتها ولكننا هنا في مصر والحمد لله بعيدين عن ذلك كل البعد فهذا يحدث في الغرب نتيجة التنافس الشديد بين الصحف وبعضها والمحطات التليفزيونية والإذاعية وبعضها على الأخبار والمعلومات والسيق دائما مهما كانت الوسائل وأيا كانت النتائج وما تسببه من أضرار فالمهم هو الفوز بأكبر عدد من القراء أو المشاهدين والمستمعين وبالتالي الاعلانات لأنها الممول الحقيقي لكل تلك الوسائل . أما عندنا فما زالت وسائل الاعلام ملكية حكومية وتتلقى الدعم إذا تعثرت كذلك مازال أغلب الاعلاميين عندنا ممن يراعون البعد عن الحرمات والمحرمات والسبق الأخلاقي عندهم أهم من السبق الإعلامي بكثير








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق