Translate

الجمعة، 15 أبريل 2011

عاطف الطيب


عاطف الطيب . .  (الطيب) الذى فقدانه

كان عاطف الطيب بالنسبة لى ليس مجرد مخرج شاب ناجح نابه يضع يده دائما على اوجاع مجتمعه واهله ويعبر عنها بصد وجمال وفن ولكن كانت قيمته عندى خاصة جدا ومرتبطة باشياء عزيزة فى حياتى . تعرفت على اسمه من خلال كتابات نقاد سينمائيين اعتز بهم وبقلمهم ايام كنت طالبا فى كليو الزراعة احلم بان اعمل صحفيا ولا ادرى كيف احقق حلمى .. ثم سمعت من اصدقائى ان المخرج الشاب الذى ابدع فليمه (سواق الاتوبيس) حديث الدنيا كلها فى مصر وفى مهرجانات العالم . نيودليهى ودمشق وغيرها ((ابن حتنا بولاق الدكرور.. وعندما عملت بالصحافة وفى اول موضوع اكتبه فى حياتى فى نهايات عام 86 وكان عن ابناء السينمائيين الذين يدخلون معهد السينما بالوساطة وتحدثت فى المعهد مع استاذة المونتاج د. منى الصبان الذى هاجمت سياسة الوساطة وكيف انها تحجب الكثير من المواهب التى تحتاج للدراسة وللثقل فى معهد مثل عاطف الطيب الذى لم يكن له اى اقارب لهم صلة بالسينما من قريب ولا من بعيد ومع ذلك استطاع ان يكوم مخرجا ناجحا يلفت انظار العالم كله الى السينما المصرية واحسست بالفخر لان الذى تتحدث عنه ابن ((حتتى) .. وفى نفس الاسبوع ذهبت للفنان صلاح السعدنى اجرى معه حوار فى استوديو الاهرام ولاحظ الفنان الكبير اننى لااتصر على طبيعتى فى اول حوار مع نجم كبير اجريه فسالنى : انت من اين ؟ قلت له : من بولاق الدكرور قال : ابن حلال تبقى من حته الولد عاطف الطيب .. تعرف ان وعاطف وعادل امام وسعيد صالح مبنعرفش حكاية النجومية دى وساعت ننزل نتماشى فى الشارع بالجلبية والشبشب .
واحسست برقبتى تطول عنان السماء لان شابا من اهل الحى استطاع ان يجد لنفسه مكانا ومكانة بدون وساطة او مجاملة فقط بعمله وجهده ولعل هذا هو ما كان يجعل عاطف الطيب اكثر ابناء جيله انتاجا (21 فيلما منذ 83 حتى 95) لان عمله هو ما كان مصدر دخله وحياته وهو الشى الوحيد الذى يرتكن عليه فى بناء اسمه ومجده وربما لان عمره قصير وكان يريد ان يقدم كل ما عنده .
وعندما تحدثت مع عاطف الطيب بعد ذلك اكتشفت بانه يحمل الكثير من صفات ابطاله بل يكاد يكون هو حسن فى (سواق الاتوبيس) وهو نفسه بطل (ليله ساخنة ) والانسان المصر الشهم الطيب المكافح الذى حارب فى اكتوبر ويلم بمجتمع العداله والحريه وعاطف الطيب بعدما اصبح مخرجا كبير لامعا لم يستطع ان يترك بولاق الدكرور فانتقل بسكنه الى المهندسين فى منطقه لاتبعد عنها سوى خمسين مترا فقط هى شريط السكة الحديد الذى يفصل بينهم .
وعندما رايت فيلمه الاخير (ليلة ساخنة) فى مهرجان الافلام الروائية لم استطع ان اؤجل الكتابة عنه لم بعد عرضه جماهيريا وكتبت وعندما سالته : اليس الافضل ان كنت جعلت البطلة امراءة شريفة فنتعاطف معها اكثر مما هى فتاة ليل تابئة قال عاطف : اننا دائما نحلم بان نجعل الاشياء اجمل مما هى فى الواقع ولكن الحقيقة دائما مرة : وانا قصدت ان تكون بطلتى ضحية لظروفها لتكون اكثر وقاعية وليتعاطف معها الناس رغم ذلك .. رحمه الله ...
كلمة نقد
ليلة ساخنة حرقت قلبى!

عندما تلتقى أسماء عاطف الطيب ونور الشريف وبشير الديك يتبادر إلى الذهن فورا اسم (سواق الاتوبيس) الذى كان ميلادا للمخرخ والسيناريست وإعادة اكتشاف لنور الشريف .. ورغم كثرة لقاءات نور الشريف وعاطف الطيب إلا أن اللقاء الأول كان هو الأقوى والأنضج والأنجح فنيا وجماهيريا .. وطوال فترة عرض فيليمهما الجديد ( ليلة ساخنة ) لم أستطع أن أبعد عن ذهني (سواق الأتوبيس) ربما لأن مستوى الفيلم الجديد بموضوعه ولغته أعاد إلى ذكريات الفيلم القديم .. فالفيلم الأول كان شهادة على نهاية حقبة مهمة في تاريخ مصر هي نهاية حكم السادات وما أحدثته تلك الفترة من تغيرات في المجتمع فرصد السياريست والمخرج في مرارة الذين حاربوا في أكتوبر 73 وحققوا النصر وهم تور الشريف وزملاؤه في الجيش الذين يلتقي بهم تحت سفح الهرم فيجد أحدهم يعمل جرسونا والثاني هاجر إلى أوروبا بينما الذين جنوا ثمار النصر مجموع الانفتاحيين والطفيليين الذين يتخلون ـ في سبيل جمع المال ـ عن كل القيم والمبادئ حتى روابط الدم والاخوة ويرفضون مساعدة والدهم في إنقاذ ورشته .
وفي الفيلم الجديد ( ليلة ساخنة ) تعود نفس المجموعة القديمة عاطف الطيب وبسير الديك ومعهم د. رفيق الصبان ونور الشريف ليقدموا شهادتهم على عصرنا في عام 94 من خلال قصة سائق تاكسي يتحلى بكل صفات الإنسان المصري من طيبة وشهامة تمرض حماته فيصحبها للمستشفى للعلاج فيطلب منه 500 جنيه لإجراء جراحة عاجلة لها ولبلبة عاملة تنظيف الغرف في أحد فنادق القاهرة التي تحتاج إلى 500 جنيه لترميم منزلها الذي أضير من زلزال أكتوبر 92 ويخرج الاثنان في رحلة بحث كل عن مبتغاه في ليلة رأس السنة . ويلتق الاثنان ويخختلطان بالمجتمع ويكشفان الفساد القابع فيه والمتناقضات التي تصرع ولا مبالاة .. فهي تضطر إلى الموافقة على بيع جسدها مقابل المبلغ الذي تريده وترى كيف البعض ألوف الجنيهات على اللذة والمتعة بلا أدنى إحساس بالذين يتضورون جوعا حولهم ويصطدم الاثنان بأبناء يتخرجون في الجامعة ولا يجدون عملا سوى " منادي سيارات " في شارع الهرم بينما تلاميذ أخرون يعبثون فسادا بسيارتهم بحثا عن أنثى يصطادونها .. ويقع الاثنان في حيرة عندما يجدان في السيارة مبلغا كبيرا بعدما صفت إحدى العصابات الراكب الذي كان معهما ويعرفان أن المبلغ فلوس عصابات تهريب ومخدرات ومتاجرة بأحلام البسطاء في فرص السفر للخارج ويقرر هو تسليم المبلغ للبوليس وترى هي أن يحتفظا به لتحقيق أحلامهما ويصمم هو ويذهب للبوليس فيجد نفسه متهما بالقتل فتقرر هي الاحتفاظ بالبلغ لهما وعدم إبلاغ البوليس به .. والفيلم من أجمل وأنضج أعمال عاطف الطيب .. الذي عودنا على الانغماس في قلب المجتمع والتعبير عن قضاياه ومشكلاته بجرأة شديدة ولكنه هنا يسجل شهادة على عصر بلغة سينمائية بالغة الرقي وتخلص فيها من التطويل والتكرار الذي شاب فيلمه ( سواق الأتوبيس ) السيناريو محكم لاهث الإيقاع ساعده المونتاج الرائع ونور الشريف ولبلبة في قمة نضجها الفني .. فكانت بحق ليلة ساخنة حرقت قلبي على بلدي .. وتلك مهمة الفن الجيد الجميل .
طارق سعدالدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق