Translate

الجمعة، 15 أبريل 2011

شكراً للحاج عبدالغفور البرعي والعائلة





ـ اعتقد أن مسلسل ( لن أعيش في جلباب أبي) واحد من أهم المسلسلات التي قدمها التليفزيون في السنوات الأخيرة .. ليس فقط لمباراة الأداء العبقري بين بطليه نور الشريف وعبلة كامل .. وليس فقط لشخصياته المنحوتة من قلب المجتمع ولكن لأن قصة صعود عبدالغفور البرعي من مجرد شيال بسيط إلى مليونير ورجل تجارة وصناعة وعلاقاته بالمجتمع وأبنائه وعلاقة المجتمع بهم لمست أوتاراً حساسة كثيرة في نفوسنا .
فالمسلسل دعوة للعصامية .. دعوة لأن نعيد جميعاً تفكيرنا ونظرتنا للعمل كأفراد وكمجتمع فهو السبيل الوحيد لتحقيق الذات وليس هناك أي طريق آخر .. والمسلسل يصف روشتة للشباب في كيفية التفكير في حياتهم ومستقبلهم من خلال نماذج أفراد عائلة البرعي فالحلم لا يجب أن يكون بالثراء السريع السهل ولكن الحلم يجب أن يكون بالعمل وبالنجاح فيه ودون التضحية بسبل السعادة الأخرى كالحب .. فالحاج عبدالصبور حقق نجاحه وثروته بعمله الدءوب وإصراره على أن يكون العمل هو القيمة الأهم في حياته ولكنه لم ينس الحب .. لم ينس أن يتزوج امرأة محبة صابرة وقفت إلى جانبه وعمل هو على إسعادها .. أما الابن الكاره لأن يكون مجرد ابن للحاج عبدالغفور فيفشل في إيجار الطريق لتحقيق ذاته وبدلاً من أن يشق طريقه بعيداً عن والده يظل عاله عليه حتى يصطدم بزوجته الأمريكية التي تقدس العمل وقيمته فتدفعه للطريق الصحيح .
وعلى العكس كان حفيد المعلم سردينه الذي يتزوج بنت عبدالغفور طامعاً في أموال والدها ليبني مصنعاً وليحقق ذاته بعيداً عن والده وعندما يفشل في الحصول على أموال عبدالغفور يطلق ابنته فيبني المصنع ويحقق النجاح وعندها يكتشف أنه فقد الحب والتعاطف ويدرك أن النجاح بلا حب أو مشاركة لا يحقق السعادة فيسعى لاستعادة زوجته .
بينما ابن الوزير الحالم بالثراء السهل لا يريد أن يعمل فيكون مصيره الفشل . والحقيقة أن شخصية الوزير تثير عندي تساؤلاً فقد كان وزيراً فقيراً كما رأيناه لأنه من باب أولى كان ضعيفاً أمام زوجته كما رأيناه وابنه عن أموال عبدالغفور .. وعموماً فالممثل الكبير رشوان توفيق أدى الشخصية بشكل رائع .
أما نظيره الابنة الصغرى لعبدالغفور والتي أدتها ا لمتألقة حنان ترك فتطرح مفهوماً مهماً علاقة الحب بالعمل في حياة الرجل من خلال خطيبها (أحمد سلامة) المستسلم للوظيفة الميري وحتى عندما يحصل على مكتب من عمه فهو لا يهتم به لأنه يفتقر إلى الدافع فهو يبحث عن المرأة التي تقف إلى جواره وتدفعه لتحقيق ذاته فتطلب منه نظيره أن يعمل وألا يتكاسل انتظاراً لتلك المرأة فالعمل هو القيمة الوحيدة القادرة على جعلنا نحقق أحلامنا وإثبات ذواتنا والعمل فقط في كل الظروف والأحوال .
كان المسلسل ميلاداً لعملاق جديد في كتابة الدراما التليفزيونية هو مصطفى محرم أستاذ السيناريو السينمائي الذي بدأ منذ أكثر من ربع قرن مع فيلم أغنية على الممر وجماعة السينما الجديدة وقدم عشرات الأفلام السينمائية الناجحة ولكنه هنا نجح في بناء سيمفونية كاملة من الفن الراقي الجميل فشخصياته حية نراها ونعرفها ونعاشرها ورغم طول ا لمسلسل لم نشعر بلحظة ملل أو تطويل وجاء حواره جميلاً سلساً ويتفق تماماً وتركيبة كل شخصية .
في الأداء كان نور الشريف أستاذاً كعادته وضم عبدالغفور البرعي إلى قائمة شخصياته التي لا تنسى أبداً كحسن في فيلم " سواق الأتوبيس " ، و" أديب " ، ولص " أهل القمة " ، وسواق " ليلة ساخنة " وغيرها كثير ..
أما عبلة كامل فبطبيعتها وتلقائيتها وضعت شكلاً جديداً للأم المصرية على الشاشة رغم أنها كانت أماً لأبناء ربما هم في نفس سنها .. وعبلة كامل هي ناظرة مدرسة التلقائية والطبيعية في الأداء .
جسد الفنان الكبير عبدالرحمن أبو زهرة شخصية المعلم سردينة ابن البلد المجدع الذي لا يتورع عن مد يده ليبني إنساناً صغيراً يستحق الرعاية وقدم شكلاً جديداً للمعلم مختلفاً تماماً عن ميراث شخصية المعلم عند محمد رضا وقبله عبدالفتاح القصري ..
كان محمد رياض عادياً في دور الابن لأن أغلب أدواره تتشابه في هذه الفترة ربما لأنه مازال في مرحلة قبول كل ما يعرض عليه من أعمال .. وتألقت مجموعة بنات البرعي وأزواجهن في حدود الأدوار المرسومة لهم .
المخرج الكبير أحمد توفيق صاحب التاريخ الطويل في الدراما التاريخية والدينية هو المايسترو الحقيقي للعمل .. ورغم طول الحلقات لم يسقط منه الإيقاع وظل مسيطراً حتى النهاية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق