Translate

السبت، 23 أبريل 2011

مصر الحقيقيه التى يبحثون عنها فى السنيما


مصر الحقيقيه التى يبحثون عنها فى السنيما

منذ اسابيع قليله قرأت تحقيقا يبحث عن صورة مصر فى السنيما التى تقدم بين افلام المهمشين وأفلام المترفين المنعمين ,والحقيقه أن قضية صورة مصر فى السنيما التى تقدمها ,ومنذ عرفت مصر أول فيلم روائى,مازالت هاجسا يشغل بال المهتمين بالسنيما  والدولة ببعض اجهزتها الرسمية وبالطبع الكثير من  الجمهور ويغيب عن الجميع الكثير من المفاهيم الاساسية لماهية السنيما نفسها ودورها ووظيفتها فى المجتمع .
ولعل من الطريف هنا أن نتذكر أن المخرج محمد كريم عندما صور فيلمه الصامت (زينب ) عن رواية د.محمد حسين هيكل فى عشرينات القرن الماضى أراد أن يظهر صورة براقة للريف المصرى فطلب غسيل وتنظيف الحيوانات التى ستظهر فى الفيلم .
ومن المفيد أن نتذكر أن سلطة الرقابه على السنيما والتى كانت تابعة فى بداياتها لوزارة الشئون الاجتماعية ,  فرضها الاحتلال الانجليزى أولا على التياترات أو( المسارح) فى هذا الزمان ثم على الاعمال السنيمائيه حتى لاتحرض الجماهير عليه , وكان من بنود أول لائحه للرقابه هو منع ظهور عربات الكارو وكل مايسئ للشعب المصرى .
ولعله من المفيد ايضا أن نتذكر أن مسألة صورة مصر السيئه فى السنيما كانت سببا - فى بداية الثمانينات - فى وقف عرض فيلمى(درب الهوي) اخراج حسام الدين مصطفى و(خمسه باب) بطولة أكبر نجمى شباك وقتها وهما عادل امام وناديه الجندى , بحجة أن بعض المصريين المقيمين فى الخارج  أرسلوا خطابات الى وزير الثقافة يشكون فيها من أن الفيلمين اللذين يدوران فى أحياء البغاء قبل الغائها يقدمان صوره سيئه لمصر فى الخارج , ونسى الذين اتخذوا القرار أن المسأله يمكن أن تكون بسبب غيرة بعض المنتجين المنافسين من جمع أكبر نجمى شباك فى فيلم واحد , ونسى الجميع أن فيلما مثل  (خمسه باب )منقول من فيلم أمريكى هو (ايرما الغانيه) للمخرج والسيناريست العبقرى بيللى وايلدر ,وأن الفيلم الامريكى يدور فى أحياء باريس القديمه.
ورغم اننى أرى أن فيلمى (درب الهوى) و(خمسه باب)مجرد فيلمين تجاريين رخيصين ولا يحملان أى قيمه فنيه الا أن فكرة أن فيلما ما يسئ الى مصر هى المشكله الحقيقيه, فالفيلم المسئ يسئ لصناعه من منتجين ومؤلفين ومخرجين وممثلين ,ولكنه بالتأكيد لايسئ الى البلد التى خرج منها أو التى ينتمى اليها صناعه.
ومن المهم أن نتذكر محاكمة رئيس الرقابه السابقه اعتدال ممتاز امام المحكمه الاداريه مع رقبائها الذين أجازوا عرض فيلم (المذنبون) بتهمة أنه مسئ لمصر ,وكان من بين هؤلاء الرقباء السيناريست المبدع محمود أبو زيد صاحب أعمال (العار) و(الكيف)وغيرها من الاعمال السينمائيه الممتعه فنيا وجماهيريا.
ونفس فكرة الاساءة لمصر أو تقديمها فى صورة سيئة تجعل الكثير من مدعيى النقد والمنتسبين اليه زورا يهاجمون أفلام المهمشين التى أخذت فى الصعود فى بدايات الثمانينات على يد محمد خان وعاطف الطيب وخيرى بشاره ,ووصفها بأفلام الصراصير والمجارى و أنها أكبر اساءه الى مصر, مع أن بعضهم ليسوا مجرد ممارسين للنقد الفنى والسينمائى بل كتب ايضا للسنيما والتليفزيون.
الغريب فى ذلك أنه من أوائل الدروس التى يجب أن يتعلمها صناع السنيما من كتاب سيناريو ومخرجين وحتى المهتمين والمتذوقين , أن ما تقدمه السنيما ليس هو الواقع بشحمه ولحمه ولكنه دراما سنيمائيه لها مقتضياتها ومحدداتها التى لايمكن لها ابدا أن تكون واقعيه ,فالافلام السنيمائيه يمكن أن تكون فانتازيا أو خيالا علميا أو تاريخيه أواستعراضيه وحتى الواقعيه منها لايعنى ذلك انها تشبه الواقع فعلا بحكم مقتضبات الدراما ومحددات العمل السنيمائى.
فالانسان الذى يعيش فى اليوم الآف  المواقف والمشاعر فى بيته وفى الشارع وفى العمل , مع الاهل والاصدقاءوالزملاء والغرباء , والذى يقع تحت مؤثرات بيولوجيه وسيكولوجيه وبيئيه لاتستطيع الدراما نقلها وبنفس الكيفيه , ولكنها تختار  له حدثاأو حدثين وفى مواقف مختاره وبتتابع معين لترسم خطا دراميا يحدد احتياجاته الدراميه التى يحاول الحصول عليها فينجح أو يخفق فى نهاية الفيلم .
فالدرس الاول لكاتب السيناريو هو أن الشخصية التى فى الفيلم هى شخصيه دراميه لاعلاقة لها بالواقع حتى لو كانت شخصية حقيقيه أو تاريخية, فالفيلم السنيمائى يمكنة أن يجعل نابليون جبانا أوشكاكا أو خائنا أو شجاعا , وتبقى كلها اجتهادات من صناع هذا الفيلم حول شخصية نابليون .
أما الذين توجعهم صورة مصر السيئة فى السنيما فاننى أذكرهم أن فيلم (المليونير المتشرد ) الذى صور الاطفال الفقراء شديدي البؤس فى الهند وللمصادفة أن الابطال كانوا هنودا بائسين بالفعل ,ومع ذلك حصد الفيلم وأبطاله أكثر من جائزة اوسكار , ولم تعتبرهم امريكا نموذجا سيئا للهند ولم تعتبرهم الهند مواطنين أساءوا الى بلدهم بل على العكس تماما, لقد كرمهم رئيس وزراء بلدهم ومنحهم شققا ليعيشوا فيها بدلا من الاكواخ الفقيرة التى يسكنوها لرفعهم اسم بلدهم فى العالم كله ,فالسنيما هى السنيما والفيلم الجيد يبقى فخرا لصناعه ولبلدهم حتى ولو كان عن الفقراء والمهمشين وسكان العشوائيان, أما الفيلم السيئ ردئ الصنعة أو ردئ الفكرة فلا يسئ الا لمن صنعه من الفنانين , ويكفى مصر فخرا أن فيها صناعة سنيما وأفلاما وفنانين. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق