Translate

الجمعة، 15 أبريل 2011

عبد الله غيث


عبدالله غيث قراءة في أوراق الماضي
أكثر من خمسة وثلاثين سنة فن ورحلة طويلة عريضة مع الحياة حافلة بالذكريات جرت أمام عينيه على مدى ساعة ونصف وهو مسترخ على " الشيزلونج " في حجرته بالمسرح وأنا جالس أمامه أحبس أنفاسي حتى لا أقطع استرساله ولا أتكلم إلا لكي أفتح له الموضوع : إنه الفنان الكبير عبدالله غيث وهو يسترجع معي شريط ذكرياته.
البداية
كانت من الشرقية من قرية شلشلمون . ورغم أن تعليمي كان في مدارس القاهرة فقد كانت قريتنا دائماً هي البيت والملاذ وظللت في داخلي حتى الآن .
كان أبي هو أول عمدة متعلم  في أوروبا . فقد كان حلم جدي أن يكون له ابن طبيب واختار أبي من بين أبنائه . كان والدي شخصية عظيمة جداً وهو في المدرسة كان كابتن فريق كرة القدم وكان أحد أعضاء الفريق هو الكابتن حسين حجازي .ز المهم أنه عندما حصل على البكالوريا عام 1912 أرسله جدي إلى لندن لكي يتعلم الطب .. وبعد سنتين في كمبردج عاد إلى مصر في إجازة وقامت الحرب العالمية الأولى أثناءها فرفض جدي أن يعود مرة أخرى إلى لندن وقرر أن يصبح عمدة لأنه ـ كما اعتاد ـ كانت لديه طموحات كبيرة هي دخول البرلمان واحتراف العمل السياسي ولكن القدر لم يمهله فتوفي وهو بعد شاب وكنت مازلت في عامي الأول . وانتقلت الأسرة إلى بيت خالي في حي الحسين بالقاهرة لكي يلتحق أبناؤها بالمدارس وكان خالي أحد علماء الأزهر الشريف وأصبحت أقضي في بيته فترة ثمانية أشهر هي فترة الدراسة أما أربعة شهور فترة الصيف فكنت أقضيها في بيت جدي في قريتنا فكانت مكونات شخصيتي من  البيئة والتربية التي عشتها من بيت ديني كبير إلى بيت ريفي كبير منفتح على أوروبا .
كنت عمدة
بعدها تركت المدارس مات عمي العمدة وكان لابد وأن أحد يحل أفراد العائلة محله حتى يكبر أحد أولاده ليرعى مصالح العائلة وكان حمدي متفوقاً في دراسته في كل من كلية الحقوق وفي معهد التمثيل وكان يؤدي الاختبار في كلية الحقوق في الصباح وفي المعهد بعد الظهر فيحصل على تقدير جيد جداً في الكلية ويطلع الأول على دفعته في المعهد فكان من المستحيل أن يكون هو الذي يبقى في القرية بينما أنا (ما صدقت) لأنني كنت طوال عمري أكره المدرسة ومن أيام الطفولة عندما كانت مدرستي تضربني على ظهر يدي بمسطرة الأشغال المضلعة ولم أكن أحلم طول عمري إلا بأن أكون فلاحاً في القرية أو ممثلاً ولم أحلم ـ مثل أقراني ـ بأن أكون ضابطاً أو طياراً أو مهندساً أبداً .. إما ممثلاً أو أجري في البراري .. وعلى ذلك رحبت بأن أكون أنا متولي مصالح الأسرة في القرية ومارست حياة القرية بكل ما فيها من شقاوة .
المهم حمدي أخي عاد من بعثته في باريس ووجدني على شفا هاوية وكان يعلم بحبي للتمثيل .. والحمد لله إن كل  المدارس التي دخلتها لم يكن فيها فرق  تمثيل حتى لا أتأثر بأي أستاذ في هذه الفترة ويطبعني خاصة وإن  الأداء في هذه الفترة لم يكن هو.. ووجد حمدي خلاصي في حبي للتمثيل وللمسرح فلم يكن يمر أسبوع إلا وأنزل للقاهرة أشاهدا لعروض المسرحية والأفلام الجديدة وكنت أحترق وأنا في  الصالة عندما أشاهد ممثل نص نص ويبقى هاين عليّ اشده من على المسرح وأؤدي مكانه لأنني عارف إني ممثل كويس .
تلميذ نجيب
تركت حياة الفتونة والمعلمة وقدمت أوراقي لمعهد التمثيل وبقدر ما كنت تلميذاً فاشلاً في المدارس كنت من أوائل دفعتي في عهد التمثيل .
أولادي واحد خريج كلية التجارة والثاني خريج كلية آداب .
حمدي أبي وأستاذي
رغم أن فارق السن بيني وبين حمدي ليس كبيراً ـ حوالي أربعةأو خمسة سنوات ـ إلا أنه كان بمثابة الأب لي لأن والدي توفي وأنا صغير جحداً كما قلت وأخذت حمدي مثلي الأعلى فهو الذي حببني في الأدب لأنه سبقني للقراءة وهو بالمناسبة أ ديب مثقف قل أن يوجد مثله في  الوطن العربي كله .. وهو الذي حببني في فن المسرح والفن عموماً لأنه ارتاد المسارح قبلي وكان أستاذي على المستوى الأكاديمي فعندما دخلت المعهد كانت الدفعة مقسمة إلى مجموعتين دراسيتين الأولى أستاذها هو نبيل الألفي والثانية أستاذها حمدي غيث وكنت في المعهد كان هو أول من قدمني للجمهور فقد كان المخرجون يحجمون عن إسناد أدوار لي اعتقاداً منهم بأنني دخلت الفن بواسطة أخي ودون موهبة حقيقية ولكنه  أصر على تقديمي وكان أول عمل هو مسرحية " تحت الرماد " عن مسرحية ثم غاب القمر لشتينبيك عام 56 أيام العدوان الثلاثي وقدمناها وقتها كعمل يحرض على مقاومة العدوان وكان دوري صغيراً جداً ولكنه إيجابي.. دور ألكسندر عامل المناجم الذي حول ا لمقاومة ا لسلبية إلى مقاومة إيجابية عندما رفع معوله ليقتل أحد جنود الاحتلال لتشتعل الثورة.
وبعد هذا الدور كتبت عني الأفلام العظيمة أمثال محمد مندور وعلي الراعي والقصاص وقالوا إن هناك اكتشافاً جديداً في المسرح القومي اسمه عبدالله غيث وتوالت أعمالي بعد ذلك سقوط في العمق أول مسرحية ألفها ألفريد فرج وإخراج حمدي غيث ثم " دورة الموتى " ودارت العجلة بعد ذلك .
الفرق بين أدائي وبين أداء حمدي غيث إن حمدي غيث ممثل أوبرا بينما عبدالله غيث ممثل شادر والتعبير للراحل الكبير جليل البنداري .
شارب البطولة من صغري
لست أنا من وضع نفسه في إطار الأدوار الدينية والتاريخية فقط ولكن المخرجين هم الذين وضعوني فيها فأنا أحب الأدوار المودرن والدراما الاجتماعية ولكن آفة الوسط الفني عندنا هي أنه إذا نجح أحد في شخصية معينة فهم يحصرونه فيها .
اشتهرت بأدوار البطل الرمز كالفتى مهران وأدهم الشرقاوي لأنني شربت البطولة الشعبية من صغري فأول عمل فني طرق وجداني كان موال أدهم الشرقاوي . في الجرن في بلدنا عندما كنا نقضي الإجازات الصيفية فيها وكان الفلاحون أصحاب الصوت الجميل بعد أن ينتهي لعبنا في الجرن ونتجمع في سامر يغنون مواويل حسن ونعيمة وأدهم الشرقاوي والفتى مهران .. ولحبي في أدهم الشرقاوي سميت ا بني البكر أدهم حتى قبل أن أمثل دوره في السينما .
أما أدوار الفروسية فهي شيء طبيعي لأنني شرقاوي وكل الشراقوه فرسان .. ده رمز محافظتنا هو الفرص يا جدع .
شخصية الفلاح التي عرفت بها وحشاني جداً وأتمنى أن أعود إليها لأعملها مرة أخرى لأن كثيراً من الأعمال الفنية في السينما والتليفزيون والإذاعة عادت مرة أخرى إلى تشويه صورة الفلاح فتقدمه في صورة الغبي الذي يتكلم بطريقة لا تمت للحقيقة بصلة .
فالفلاحون في مساجلاتهم مع بعضهم يكون كلامهم على درجة من البلاغة أقرب إلى الشعر وهو ما عبر عنه أحمد عبدالحليم عبدالله في رواياته وعبدالرحمن الشرقاوي وميخائيل رومان في فترة من الفترات .
عودة للسينما
نعم قلت أنني لن أعود للسينما إلا في دور مثل دور حمزة في فيلم الرسالة لكن أجيب منين دور زيه تاني وأنا  شخصياً أحب السينما جداً ، كما أن الدور الذي رجعت به لهما كان دوراً غير عادي وشخصية غير عادية فرغم صغر الدور فقد كان دور المشير عبدالحكيم عامر وهو نجم لامع على المسرح السياسي المصري ، والعربي ، والعالمي ، فهو النجم الثاني أو الأول مكرر في ثورة 23 يوليو وهي شخصية تقدم لأول مرة في السينما لذلك لم أتردد في قبولها أبداً .
طارق سعدالدين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق